فلسطين الانتصار والحقوق والنهضة

Views: 408

حسن عجمي

 فلسطين منظومة حقوق إنسانية كحق الفلسطينيين في أن يكونوا أحراراً وحقهم في بناء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. ولكن لا توجد حقوق بلا معرفتها. بذلك فلسطين منظومة معرفية. من هذا المنطلق، فلسطين بنية عقلية. ولكن البُنَى العقلية مجرّدة مما يحتِّم عدم قابليتها للهزيمة والزوال ما دامت تحيا في عقول المؤمنين بها. من هنا، من المستحيل أن تُهزَم فلسطين لأنها بناء عقلي يتكوّن من منظومات معرفية وحقوقية مجرّدة بمجرّدية المعارف والحقوق. أما الوقائع فتجليات المجرّد. لذلك فلسطين كمنظومة فكرية ومشاعرية مجرّدة سوف تتجلّى واقعياً بتجلّي المجرّدات على ضوء سلوكيات الأفراد وعوامل التاريخ التي تشكِّل قوالب احتواء للمُجرَّد وتجلياته.

 

 بما أنَّ فلسطين منظومة حقوق إنسانية بينما الحقوق تأتي أولاً لكونها تُعرِّف الإنسان وإنسانيته، إذن تأتي فلسطين أولاً ودائماً في المرتبة الأولى، فبِها يولد إنسان جديد ويُفتَح عصر بداية حرية الإنسان. فاستعادة فلسطين لحريتها وسيادتها إستعادة الإنسان لإنسانيته الكامنة في امتلاك الحقوق فالإنسان مجموعة حقوق كحقه في أن يكون حُرَّاً. لا نهضة عربية بلا استعادة فلسطين حُرَّة ومستقلة لأنَّ فلسطين منظومة حقوق إنسانية بها فقط يستعيد العرب حقوقهم مما يؤسِّس للنهضة الحقة الكامنة في إنتاج الأنظمة الفكرية والعلمية والتكنولوجية التي يستحيل وجودها بلا سيادة الحريات والحقوق.

 فقط حين يعتمد العالَم على الإنتاج االفكري والعلمي والتكنولوجي العربي، يتوقف الاحتلال عن قتل أطفالنا ويزول وتتحرّر الشعوب العربية من أنظمتها الديكتاتورية. وفقط عندئذٍ يزول الاستعمار الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والعسكري أيضاً بسيادة إنتاج النُظُم الفكرية والعلمية والتكنولوجية العربية إن نشأ القرار السياسي والثقافي في بنائها. حين يعتمد العالَم على ما ننتج لن يجرؤ على قتل أطفالنا وارتكاب المجازر ضد شعبنا. عندما يعتمد العالَم على ما نصوغ من فكر وعلوم وتكنولوجيا متطوّرة، نفرض حينئذٍ على الآخرين احترام حقوقنا كحقنا في أن نحيا وحقنا في أن نعيش أحراراً بلا قمع ٍ واضطهاد.

 

 بالإنتاج الحضاري تَسُود الشعوب وتنتصر. والإنتاج الحضاري لا يكمن سوى في صياغة الفكر المنطقي والعلوم والتكنولوجيا الهادفة إلى ارتقاء الإنسان. من هنا، الانتصار العربي الحقيقي كامن في المشاركة في بناء العلوم والتكنولوجيا والفكر المنطقي النافع. بالنهضة نحيا وننتصر. من هذا المنطلق، انتصار فلسطين انتصار الفلسطينيين والعرب في إنتاج العلوم والتكنولوجيا والمذاهب الفكرية النافعة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً. أما الانتصارات العسكرية، وإن كانت مهمة تاريخياً، فليست سوى خطوات نحو التحرّر والسيادة بينما الانتصارات الثقافية والعلمية والاقتصادية أساس التحرّر الدائم والسيادة المستدامة.

 الانتصار بناء عقلي. الانتصار بنية عقلية ومشاعرية. وبما أنَّ انتصار فلسطين حاضرٌ وسائدٌ وسيدٌ في عقول الفلسطينيين والشرفاء من العرب والمسلمين والمسيحيين، إذن من المستحيل أن لا تنتصر فلسطين. فانتصارها انتصار الحقوق، وبذلك انتصارها انتصار الإنسان وإنسانيته. العودة إلى الإنسان هي العودة إلى فلسطين. وبناء الإنسان الحق والحقيقي بناء فلسطين.

 

 لا سلام بلا عدالة.

 ولا عدالة بلا فلسطين.

فلسطين تجلّي إنسانية الإنسان وتعاليه…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *