الاستلاب الفني

Views: 809

د. قاسم قاسم

يذكر عماد يوسف في مقالة له في الحوار المتمدن (2011): 

يمكن تعريف الاستلاب بانه وقوع الكائن العاقل الذي يمتلك حيزا من التفكير العادي، والمتفاعل مع محيطه بالضرورة، في موقع الاسر الكلي، وشبه المطلق، لفكرة ما، وشهد التاريخ الانساني، على مر العصور صورا لاستلابات فكرية، عملت كالسيف القاطع في حياة الكثير من مجتمعات العالم والامم.

في كتابه -الاستلاب الفني- الصادر حديثا عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، يجهد الدكتوراسماعيل الامين في الحفر عميقا في التاريخ ، ليظّهر موقع الاستلاب، فيبدأ بتوطئة يقول فيها نقلا تريستان تزارا

يعلمنا الاخير، كيف نكتب شعرا، قطّع بعناية فائفة جميع الكلمات التي تؤلف مقالة، ضعها في علبة، خضّ العلبة بلطف، ضع الكلمات في سطور لتحصل على قصيدة دادائية.

وهدف الامين من وراء هذا التدليل على عنوان كتابه ،وعلى الحالة التي وصل اليها الفن .

فيشرع في توضيح ارتياط الفن بالاخلاق، وان هدف الشعر هو ارشاد المترافق مع الحبور والمتعة، والذي شكل جزء من الثقافة السائدة في عصور ما قبل الحداثة.

وفي شرح مفهوم الفن  تساءل عن العلاقة بين الفن والسياسة في ظل هيمنة البؤس في عصرنا، عصر الصناعة المفرطة، ؟ويجيب: لقد شهدت مرحلتا الحداثة وما بعدها من ، قطع الصلة بين  الفن وكل نشاط انساني، ويستعين بـ Mario Perniola في الكشف والحفر، عن الاستلاب في  ما كان ينسب الى الفن مثل السحر، والطقوس الوثنية،ورسم الكهوف، ويرى ان البحث عن اصل الفن كقولة تاريخية يجب ان ينطلق من البيىئة التي شكلته، ويتابع في موضوع الاستلاب وخاصة عند اليونان، ويشير الى ان الملحمةهي اول تعبير للكشف عن الدلالة المنفصلة، انها الاحتفال الشعبي بثقافة الاسياد، لاشئ يتغير في حياة الرعية، الكل خاصع مثلما كان في الماضي للاعراف والتقاليد، الخاصة باي وعي كان، وتمثل قصائد هوميروس المستوى الادنى من الابداع المنفصل عن الواقع، وان الشعر الحقيقي هو الذي ابتكره هسيود، اما المزيف فهو ما نقله  عمن منشد العشيرة، الذي يتلو مرة اناشيدها واخرى يتلو ما يبشر بنشوء الشاعر الحر السيد الذي يكتب احاسيسه الشخصية،لصالح ا للصوصية  الاستقراطية العقارية وعنفها.

ويشير الامين الى ان الشعر يتجاهل كل مظهر معياري. ، وكل فعل ملموس في الواقع، ويتكون الشعر في اللحظة التي ينفصل فيها عن هذين المظهرين  المعيار والواقع، ولا ينتهي هذاالانفصال الاستلابي الا حين يكتسب الانسان مفهوم ابداع شامل حيث الفعل والدلالة لا ينفصلان.

ويشدد الامين على ان المسرح العربي هو تقليد لاستلاب ارادي للمسرح الغربي المُستلب اصلا، وفي السؤال لماذا الغربي مُستلب؟ نرى حسب ما اورده ان اليونان القديمة، لم تشهد حركة ثورية واحدة، قادرة على انتاج نقد جذري وصياغة بدائل شاملة، الا انها الحركةالديونيسية المعتبرة التعبير الاوحد في التاريخ اليوناني عن الرغبة الاساسية في حياة دالة وشغوفة .

ويرى الامين ان شهادة ارسطو في كتابه( فن الشعر)  حول منشأ التراجيديامن الديترامب غامضةلانه لا يوضح عن اي ديترامب يتحدث البدائي ام الادبي.

ويعتبر تاريخ القرون الوسطى عرضة للالتباس اكثر من اي حقبة اخرى، ويرجع السبب الى احتقار رجال الدين للفن    ، وتدلل نقاشات مايكل انجلو المعبرة بوضوح عن هذه الحالة،. وفي سرده لاراء الفلاسفة بين ان الاستلا ب مع اليسار الهيجلي-  الفيورباخي. لم يعد انغماسا للوعي في الطبيعة بل تحدد معناه في ارتحال الوعي الى الماوراء بسبب التدين، بينما ربط ماركس بين الفردي والجماعي، وشدد على ان ما يجب تحقيقه ليس الفن انما الابداع، بينما الاطروحة الطوباوية عند فرويد ترد المسألة الى التعويض، واكتفى ادرنوا بافتراض نقد جذري دون الاهتمام دون الاهتمام بتحقيقه وتحدث ماركوز عن تحقيق الفن مهملانقده ولم تنتج التعبيرية الالمانية اسلوبا جديدا لصناعة الفن  وجاءت المستقبلية الايطالية لتقع ضحية تعمية فنية في الواقع، وان مقصدها  في الدمج  بين الفن والجماليات  لا يستند الى النقد الجذري ، ولكن الى تعميم حكم الجماليات على جميع مظاهر الحياة بذلك نصل الى ما ذكره الامين في المقدمة حول ما طرحته الدادائية ان من ناحية النشاط الابداعي او الحركة الحيوية، وان الاساس في الفني ليس العمل الفني، ولكن المعاش ، .

وعانت السوريالية من نقص في المتطلبات المسبقةلبعد الاستلاب الفني يقول اندريه برتون – لا يمكن اعتبار عمل فني سورياليا الا بقدر ما يجهد الفنان للوصول الى حقل نفسي – بدني  شامل ، حيث الوعي لا يشغل سوى جزء منه، اما المستقبلية الروسية الاولى   ، لم يظهر اي اتجاه نقدي لديهم .

يعرّف معجم روبير الصغيرle petit Robert  الفرنسي  الاستلاب بانه- سياق تحول ينتهي بالانسان الى الغربة عن نفسه- اي ان الاستلاب هو سياق سلب يقود الى فقدان الهوية، ونكران الذات، وانتهاك الشخصية ، بالمعنى العام يصبح الاخر (نقيض الانا).

اما بخصوص الموسيقى يقول: Quinyard pascal في كتابه الشيق – كراهية الموسيقا- La haine de la musiqueالآذان ليس لها اجفان.

اي ان الانسان خاضع خضوعا اجباريا للاصوات التي يسمعها ويقول ان الموسيقى باعتبارهاسلطة تتعاضد مع -السلطة-  والاستلاب الناتج عن الموسيقى لا ينتج الا عن استلاب الموسيقى نفسها، حيث ترتقي الدلالات ومعانيها الى ذرى منفصلة عن الواقع،

وسارعت الاختراعات الحديثة الى تحويل الموسيقى الى سعلة تجارية، وانتهى الامر بالفنون عامة والموسيقا خاصة الى الانفصال عن واقع المستمع الغارق في صمت رهيب,اما اصول الاستلاب الفني في التراث الاسلامي يشير الامين الى ان المصحف الشريف ليس فيه  إشارة صريحة الى تحريم الفن، ومع ذلك حصل انقسام بين العلماء وفي هذا الصدد تذكر الدكتورة زينب عبد العزيز في مقالة الكترونية، ان النص والصريح الخاص بالتحريم هو نص الوصية الثانبة من الوصايا العشر (لا تصنع   لك  تمثالا منحولا ، ولا صورة ما، مما  في السماء  من فوق، وما في الارض من تحت، وما في الماءمن تحت الارض). وبدا ان الاسهام الثقافي للشعب اليهودي في مجال الفنون التشكيلية ضئيل جدا على مر التاريخ، وخاصة في مجال التصوير.

ووفق الايمان الديني لا يقتصر الاستلاب على الفن وحده ، انما يمتد الى كامل الحياة اليومية.

 ونخلص الى القول مع الطيب بو عزة في مقالة له في دلالة مفهوم الاستلاب(2007,)

 اذا كان الفلاسفة الغربيون يتساءلون عن كيفيةالتخلص من التعدد الدلالي لمفهوم الاستلاب، فان هاجس الوعي العربي الاسلامي هو كيفية التخلص من الاستلاب ذاته كتبعية حضارية.

ووصف بول ريكور لفظ الاستلاب بانه كيان مريض،بمعنى انه مثقل بالمعاني والدلالات الى درجة انه اصبح كل شيء حتى كاد لا يعني شيئا ، ويقدم ريكور سؤالا طريفا  حيث يقول : ان الاستفهام  الذي يطرح بصدد هذا المريض،  هو هل يجب قتله ام علاجه؟  وان العلاج هو منع تعدد الاستلاب وذلك عن طريق اختزال معانيه الى عدد محدود من المعلومات.

في الكتاب اراد الدكتور اسماعيل الامين  ان يقدم قراءة معمقة لموضوع استلاب الفن من خلال  الهيمنة بكل اشكالها ، وبالتالي ان استلاب الانسان في المجتمع الاستهلاكي استولى على عقله وسخر عبقريته لصالح الرأسمالية العالمية كما اورد اريك فروم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *