مسيحيّو غزّة: تجذّر في الأرض والتاريخ
د. تهاني سنديان*
يعود الوجود المسيحيّ في غزّة إلى العام 250 ميلاديّة، نظراً، أوّلاً، لأنّها تشكّل امتداداً طبيعيّاً لأرض المسيح المقدّسة والتاريخيّة، وثانياً لاحتلالها موقعاً استراتيجيّاً على البحر المتوسّط، يمثّله ميناؤها النشط: “مانوما” بانفتاحه على العالَم القديم وتحوّلاته، اقتصاديّاً وثقافيّاً. وفي مدينة دَير البَلح في وسط غزّة كان قد تأسّس مقام الخضر الأثريّ؛ والخضر شخصيّة مقدّسة لدى كثير من أتباع الدّيانات الكبرى الثلاث: اليهوديّة، المسيحيّة والإسلام؛ وكان هؤلاء الأتباع يلتقون بدَورهم حول التساؤل عن صفته: هل هو نبيّ أم لا؟
على أنّ المسيحيّين يقولون إنّ مار جرجس هو نفسه الخضر، وقد قُتل في شهر نيسان/ إبريل من العام 303 م بعد اعتناقه المسيحيّة في عهد الملك الروماني دقلديانوس، ولم يكُن في فلسطين حينها أيّ راهب عَلَني، نظراً لحظر نشاط الديانة المسيحيّة من طَرف الاحتلال الروماني للبلاد.
وبعد انقسام الإمبراطوريّة الرومانيّة في العام 395م إلى دولتَيْن: واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، بقيت غزّة تحت سيطرة الإمبراطوريّة الرومانيّة الشرقيّة، والتي تحوّلت لاحقاً إلى ما يُسمّى “الإمبراطوريّة البيزنطيّة” أو “بيزنطة”. وفي حين سقطتِ الإمبراطوريّة الرومانيّة الغربيّة في القرن الخامس، استمرّت الإمبراطوريّة البيزنطيّة وعاصمتها القسطنطينيّة لما يزيد عن ألف سنة متوالية، شكَّلت خلالها قوّة عسكريّة واقتصاديّة وعِلميّة وحضاريّة كانت هي الأكبر والأهمّ في أوروبا والمنطقة، وذلك إلى أن سقطت في نهاية المطاف، واستسلمت للإمبراطوريّة العثمانيّة القويّة في العام 1453 ميلاديّة.
جدير بالذكر أنّ القدّيس هيلاريّون (مواليد قرية تاباثا القريبة من غزّة سنة 291 م.)، وهو أوّل راهب غزّاوي فلسطيني مُعلن عقب اعتراف الرومان بالمسيحيّة ديناً رسميّاً من أديان إمبراطوريّتهم في العام 312 م، كان قد أسَّس مَعبده أو دَيره في منزل صديقه الخضر في العام 278 م.. والسبب أنّه كان مُقيماً بشكلٍ سرّي في الغرفة العلويّة من ذلك المنزل، هكذا إلى حين أزفّت ساعة رحيله عن هذه الدنيا. وتحوَّل المنزل المذكور بعد ذلك إلى أوّل مَعبد أو دَير للمسيحيّين في غزّة. وتأسّست في رحابه لاحقاً أوّل جمعيّة للرهبان المسيحيّين في المشرق العربي. كما تمّ أيضاً تشييد أوّل كنيسة لفلسطين، بخاصّة بعد توقُّف الاضْطهاد الروماني للمسيحيّة الذي دام نحو ثلاثة قرون حتّى مجيء قسطنطين الأوّل (272 – 337 م.) الذي قرّر الاعتراف بالمسيحيّة ديناً أساسيّاً من أديان الإمبراطوريّة الرومانيّة، ولُقّب إثر ذلك بـ “الرسول” و”القدّيس”، وخصوصاً في أدبيّات الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة.. وقد حرص قسطنطين الأوّل على بناء عددٍ كبير من الكاتدرائيّات في مُختلف أنحاء البلاد، ومَنَحَ رجال الدّين المسيحيّين امتيازاتٍ عدّة، في طليعتها الإعفاء من الضرائب والرسوم. كما ولّى الأفراد المسيحيّين كبرى المناصب وأرفعها في الدولة.
في ما بعد، ومع توالي الأيّام وكرّ السنوات، جاء القدّيس بورفيريوس من اليونان إلى غزّة في ما بين عامَيْ 396 و420 ميلاديّة.. وكان قد سَامَه قَبل ذلك “بريليوس” كبير أساقفة الأماكن المقدّسة كاهناً عليها، فرحّب به جَمْعٌ كبير من الغزّاويّين، وساعدوه في مهمّاته الدّينيّة الجليلة لجعْل مَن تبقّى بينهم من وثنيّين يهتدون للربّ على يدَيْه، ويسلكون، بالتالي، مَسلك الإيمان بيسوع ورسالته. يصف الشمّاس “مرقص” كاتب سيرة القدّيس بورفيريوس وتلميذه ما خلاصته عن معلّمه، أنّه كان رجلاً لا عَيب فيه، وديعاً جدّاً، شفوقاً، موهوباً في تفتيق معاني الكتاب المقدّس، قادراً على الإجابة عن أصعب المسائل فيه. لم يكُن ينقصه العِلم بصورة عامّة، وله قابليّة قادرة على إسكات غير المؤمنين والهراطقة. وكان مُحبّاً للفقير، يُكرِم الشيوخ كآباء، والشبّان كإخوة، والصغار كأولادٍ له. لطيف المَعشر، متّضعاً لا غشّ فيه ولا ادّعاء، سويّ المزاج خالياً من الأهواء، لا يعرف الغضب، لا يَذكر شرّ الآخرين في تعاطيهم معه، ولا يَدَع الشمس تغرب على غيظه، بسيط القلب، ميّت الأهواء إلّا غيظه على أعداء الإيمان ومناوئي يسوع عليه السلام من الوثنيّين.
على مستوىً آخر، وبعد هَدْم ثمانية هياكل للوثنيّين في غزّة، أهمّها هيكل “زفس” الذي كان من أشهر هياكل المعمورة وقتها، وفي مدّة عشرة أيّام فقط، شرعَ الغزّاويّون في بناء كنيسة كبرى بملحقاتها مكانه، وبمساعدة من القسطنطينيّة طبعاً؛ وقد جاء البناء على شكلِ صليبٍ كبير، أَشرف على رسْمِه وبنائه مهندسٌ من أنطاكية يُدعى روفينوس. وتفيد المعلومات أنّه كان تمّ مسبّقاً إرسال أعمدة المرمر الضخمة الخاصّة بصرح الكنيسة من القسطنطينيّة نفسها، وكان عددها 32 عموداً، لا يزال بعض آثارها شاهداً إلى يومنا هذا. كما كان الغزّاويّون، وفي مقدّمهم القدّيس بورفيريوس قد استقدموا أيضاً حجارة ضخمة خاصّة ببناء الكنيسة من تلال قائمة في غرب مدينتهم.
ومن المهمّ أن نذكر بعد أنّه كانت قد جَرت حوارات عمليّة بين المهندس الأنطاكي روفينوس والقدّيس بورفيريوس تناولت المراحل العامّة لمشروع بناء الكنيسة. وكان القدّيس يصلّي ويبكي ويبارك كلّ مرحلة مُنجزة من عمليّة البناء، سائلاً الربّ الإله حفْظ بَيته وبَيت المؤمنين جميعاً.
غزّة في “العهد الجديد”
يُفيد تقريرٌ حديث نَشره الموقع البريطاني “ميدل إيست آي” نقلاً عن مُختصّين في التاريخ المسيحي لمنطقة قطاع غزّة، بأنّ اسم غزّة نفسه أُشير إليه في كتاب “العهد الجديد” في أعمال الرسل 8، من خلال أنّ القدّيس فيلبس الرسول عمَّد رجلاً من الحبشة على الطريق الواقعة بين القدس وغزّة. تقول الآية الواردة في الكتاب: “ثمّ إنّ ملاك الربْ كلّم فيلبس قائلاً: قُمْ واذهب نحو الجنوب، على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزّة التي هي بريّة”.
هذه “الغزّة” الطافحة بالمسيحيّة والمسيحيّين قديماً وحديثاً (على قلّة تعدادهم) تتعرّض اليوم إلى إبادة جماعيّة فاجرة، بَشَراً وحَجَراً وعلى نحوٍ لم يَسبق للتاريخ أن شهدَ مثيلاً دراماتيكيّاً لفصوله المفتوحة. نعم، إنّ ما يقوم به الاحتلال الإسرائيليّ يفوق الوصف من جهة هذا الإجرام الفظيع والقتل الماحق الساحق والإجهاز التدميري على كلّ شيء: من كنائس ومساجد وبيوت وعمارات وعلى رؤوس ساكنيها، وخصوصاً الأطفال والنساء والشيوخ. تقول الفيلسوفة الأميركيّة جوديث بتلر، وهي من التابعيّة الدّينيّة اليهوديّة، إنّه يجب أن نأخذ تعبير “إبادة جماعيّة” على محمل الجدّ والصدقيّة دقيقة التشخيص والتوصيف، فالهجمات لا تَستهدف المُقاتلين فحسب، وإنّما السكّان المدنيّين كافّة في قطاع غزّة، وهذا أمر يستدعي على الفور مُحاسبة مُرتكبيه والحُكم عليهم بما يتجاوز ما تقترفه أيديهم من مجازر مروّعة.
وأشارت الفيلسوفة المذكورة في مقابلة أجرتها معها منصّة “ديموكراسي ناو” إلى وجود خطط عسكريّة إسرائيليّة مدعومة من الخارج الغربيّ المركزيّ تستهدف اجتثاثَ سكّان غزّة عن بكرة أبيهم والاستيلاء على الأرض فارغة من الغزّاويّين.
وأَردفت: “ثمّة مؤسّسات قانونيّة مثل “مركز الحقوق الدستوريّة”، كان قد أشار في دراسة له من أربعين صفحة إلى الأسباب التي تؤكّد صحّة وصْف ما يَحدث للفلسطينيّين الآن من “إبادة جماعيّة”.
وأشارت الفيلسوفة بتلر”إلى مراكز قانونيّة مُماثلة، بدأت تُظهر من جانبها، هذه المرّة، أنّ الإبادة الجماعيّة لا تبدو على غرار تلك التي قامَ بها النظام النازيّ فقط، بل يُمكنها أن تكون تهديداً منهجيّاً عامّاً لتدفُّق الحياة والصحّة والقدرة على الاستمرار”.
وجوديث بتلر هي واحدة من عشرات الكتّاب والمُثقّفين اليهود الأميركيّين الذين وقّعوا رسالةً مفتوحة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يدعون فيها إلى وقفٍ فوريّ لإطلاق النار في غزّة، وهي عضو فاعل في المجلس الاستشاري لمنظّمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”. كما أنّها تُعَدّ واحدة من أبرز الفلاسفة المُنخرطين في القضايا العالميّة الرّاهنة، ودائماً من خلال موقعها وإسهاماتها في الفلسفة الأخلاقيّة المؤثّرة، وفلسفة ما بعد البنيويّة.
لماذا تسكتون يا سادة؟
ومسيحيّو غزّة الذين لا يتجاوز تعدادهم الألف نسمة اليوم من أصل 3500 قبل فرْض الحصار الإسرائيلي على القطاع في العام 2007، يتوزّعون على 3 كنائس مركزيّة هي أوّلاً، كنيسة الروم الأرثوذكس اليونانيّة أو كنيسة القدّيس بورفيريوس التاريخيّة. وثانياً، كنيسة العائلة المقدّسة للّاتين أو بمسمّى آخر: الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة. وثالثاً، الكنيسة المعمدانيّة، وهي الوحيدة الخاصّة بالطائقة البروتستانتيّة. ولم تَسلم جميع هذه الكنائس – في المناسبة – من الاعتداءات الإسرائيليّة المقصودة والمُبرمَجة منذ بداية انفجار الحرب الأخيرة على القطاع، والمستمرّة هكذا بلا هوادة حتّى كتابة هذه السطور.
والاعتداء الإسرائيلي الأكبر بينها كان قد وقعَ على الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة الواقعة في حيّ الزيتون الشهير في غزّة، إذ أغارت الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة عليها بتاريخ 19 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، خلال احتماء أكثر من 500 مواطنٍ مدني فلسطيني (من مسلمين ومسيحيّين) فيها، ما أدّى إلى استشهاد 20 شخصاً بينهم 18 مسيحيّاً. ومعروف أنّ هذه الكنيسة المُسمّاة “كنيسة القدّيس بورفيريوس” تُعتبر من أقدم 3 كنائس في العالَم، ويعود تاريخ بنائها الأوّليّ إلى العام 425 م. وتمّ تجديده في العام 1856 وقد بنيت الكنيسة فوق ضريح القدّيس بورفيريوس نفسه، هذا النّاسك الغزّي/ الأيقونة من القرن الخامس، والذي لم تنقطع الزيارات الدّينيّة لضريحه إلّا اليوم، بداعي انفجار هذه الحرب الإسرائيليّة المشؤومة على قطاع غزّة، واستطراداً على عموم فلسطين التي كان من أهدافها الخبيثة الكبرى إقامة ترانسفير جديد يجرف الجميع إلى خارج الحدود الفلسطينيّة، وضمّ قطاع غزّةـ والضفّة الغربيّة إلى جغرافيّة دولة الكيان التي رفع خريطتَها علناً بنيامين نتنياهو في الأُمم المُتّحدة قبل فترةٍ ليست بالبعيدة.
وبخصوص الاعتداء على كنيسة العائلة المقدّسة أو الكنيسة الكاثوليكيّة وملحقاتها في غزّة، فقد تمّ بواسطة الطيران الحربيّ الإسرائيليّ على مرحلتَيْن، تمّ في الأولى استهدافُ مَبناها المركزيّ العامّ، ثمّ في المرحلة الثانية طاوَل مدارسَها، ولاسيّما مدرسة راهبات الورديّة، التي أصابها دمارٌ كبير… كان ذلك بتاريخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
وتصاعدت الجرائم الإسرائيليّة على نحوٍ مُعلن أو مكشوف حين قام قنّاصٌ من الجيش الإسرائيلي بالقتل العمد لأُمٍّ مسيحيّة غزّيّة وابنتها، وذلك في أثناء محاولة الابنة إنقاذ والدتها المُسنّة التي كان طاولها رصاص القنّاص نفسه. وفي هذه الجريمة صرّح ناطق باسم البطريركيّة اللّاتينيّة في القدس يقول: “نعم، لقد قُتلت الأمّ ناهدة خليل أنطون وابنتها سمر بالرصاص في أثناء توجّههما إلى دَير الراهبات، وأُصيب سبعة أشخاص آخرين بالرصاص في أثناء محاولتهم حماية الآخرين داخل مجمّع الكنيسة من دون أيّ إنذارات مُسبقة لهم. لقد تمَّ إطلاق النار عليهم بدمٍ بارد داخل مبنى الرعيّة، حيث لا يوجد سلاحٌ ولا مسلَّحون”.
هذه الأخبار وصلتْ إلى البابا فرنسيس في الفاتيكان فعلَّق قداسته قائلاً بالحرف الواحد: “إنّ إسرائيل تَستخدم الإرهاب”.. وتابع: “قد يقول أحدهم، إنّها الحرب.. إنّها الإرهاب. نعم، إنّها الحرب، إنّها الإرهاب”.
ونقتطف بعدُ من كلام البابا في الموضوع عَيْنه، وبحسب ما نشرته “وكالة رويترز” بتاريخ 18 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023 ما يلي: “ما زلتُ أتلقّى أخباراً خطيرة ومؤلِمة جدّاً من غزّة.. مدنيّون عزَّل يتعرّضون للقصف وإطلاق النار. وقد حدثَ هذا حتّى داخل مجمّع رعيّة العائلة المقدّسة، حيث لا يوجد إرهابيّون، بل عائلات وأطفال ومرضى وذوو احتياجاتٍ خاصّة وراهبات”.
وتعليقاً على هذا الكلام الصريح والمباشر للبابا قال متحدّث باسم الخارجيّة الإسرائيليّة “إنّ الحادث لا يزال قَيد المُراجَعة، وليس لديّ بالتالي أيّ تعليق فوري عليه”. غير أنّ جماعات يهوديّة إسرائيليّة راديكاليّة أخرى كانت قد انتقدتِ البابا على تصريحاته بخصوص الإرهاب، ورَأت فيها “أموراً متعجّلة ما كان لها أن تصدر عنه كمرجعٍ كاثوليكي كبير”.
أمّا الكنيسة المعمدانيّة البروتستانتيّة في غزّة، والتي كان وراء تأسيسها الراعي حنّا مسعد في العام 1950، فقد تعرَّضت هي الأخرى لاعتداءات عديدة من المُحتَلّ الإسرائيلي، إذ كان المُحتلّ يُسهِّل خروج رعايا هذه الكنيسة البالغ عددهم 250 من القطاع ولا يَسمح بعودتهم إلى القطاع، بمَن فيهم رأس الكنيسة نفسه الذي ضيّقَ عليه أكثر من مرّة لجهة العودة وتفقُّد شؤون ما تبقّى من رعيّته. ولقد توزَّع البروتستانتيّون الفلسطينيّون على مُدنٍ عدّة في الضفّة الغربيّة، وكذلك في العاصمة الأردنيّة عمّان التي لجأ إليها رأس الكنيسة وعائلته وبضع قيادات معه ريثما تتبدّل الأحوال العصيبة في غزّة.
ونَستدرك فنقول إنّ المسيحيّين الغزّيّين من كلّ الطوائف يتمتّعون بعلاقاتٍ طيّبة وعفويّة للغاية مع الأغلبيّة المُسلمة في القطاع. يؤكّد ذلك طبيعة الحياة الغزيّة نفسها.. علاوة على الأغلب الأعمّ من رجال الدّين المسيحيّين سواء الفلسطينيّين منهم أم العرب أم الأجانب.
فوق هذا وذاك، إنّ آباءً مسيحيّين فلسطينيّين كانوا مُنخرطين مباشرةً بالثورة الفلسطينيّة، وعُرفوا جهاراً نهاراً بمُقاومتهم الصلبة للاحتلال الإسرائيلي.. كما عُرفوا بنقدهم الذّاتي المسؤول للسلطة الفلسطينيّة نفسها، وبدعوتهم الصادقة والمُستمرّة لإنهاء الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني والتفرُّغ لمُواجَهة مؤامرات المُحتلّ الإسرائيلي، وما أخطرها.. وعلى رأس هؤلاء كان، ولا يزال، الأبّ مانويل مسلَّم (مواليد العام 1938) راعي كنيسة اللّاتين في غزّة لسنواتٍ طويلة، وعضو “الهيئة الإسلاميّة – المسيحيّة لنصرة المقدّسات”، ورئيس الهيئة الفلسطينيّة المستقلّة لمُلاحقة مُجرمي الحرب الإسرائيليّين.
في هذه الأيّام التاريخيّة الفاصلة من نضال الشعب الفلسطينيّ المسلّح على أرض غزّة، كان لا بدّ للأبّ مانويل مسلّم أن يُدلي بدلوه الإعلامي المسموع والمُحترم لأهل الوطن الفلسطيني جميعاً، وبخاصّة لأهل غزّة الذين خاطبهم بالتعيين المباشر: “إنْ رَحَلَ بيتكم بالهَدم، فلا ترحلوا أنتم. اليوم هو يوم التحرير وقَهْر الغُزاة الصهاينة.. ما يحدث في غزّتنا هو انتصار لقضيّتنا، هو أوّل بُشرى بتحقيق عودتنا وترجمة النصر على الأرض”.
وقال مُخاطباً العالَم: “إسرائيل تَهدم بيوت المدنيّين على رؤوس أهلها الأبرياء، مئات الأطفال والنساء والشيوخ يُذبحون بأمرٍ عسكريّ تعرفونه.. هذه الأفعال جرائم حرب يا سادة، فلماذا تسكتون وتتغاضون عمّا يجري؟!! صمتكم يعني مُشاركتكم في الجريمة.. لن نسامح صمتكم”.
وخَتَمَ يقول لمسيحيّي غزّة: “اذكروا أنّكم جزء لا يتجزّأ من شعبكم العظيم، أنتم جزء أصيل من المُقاوَمة والثبات أمام عواصف الظلم والطغيان… إرادة الله هي قوّتكم، صلّوا لشعبكم ليرفع الله عنهم وعنكم غضبه، ويردّ برأفته كَيد أعدائكم”.
***
*كاتبة من لبنان
*مؤسسة الفكر العربي-نشرة أفق