جورج خضر مائة عام وعام
د. جان توما
منذ ولدته أمّه عام 1923 أودعته الهيكل قائلة: ها أنا أمة للربّ، وها هو لك قامة فأملأها بركة على بركة، ونعمة فوق نعمة، ومن قبل أن تلده كان يرتكض في بطنها كلّما رنّمت أو تضرّعت أو ابتهلت.
راح الطفل ، منذ مائة عام وعام، يحبو في كنيسة الحيّ حيث سحرته أيقوناتها متعلّمًا من العجائز كيف يروينَ له أحداث الكتاب من الخشب الجامد الذي يصير على ألسنتهنّ ناطقًا، كما كان يروي له غبار ذهب محل أبيه الصائغ، وفي عبوره سوق الذهب ليصل إلى بيته في باب الرمل، قرب الجامع العالي، بطرابلس، حكاية احتضان التراب حبيبات الذهب، فعاين كيف ينثر الهواء الخمسينيّ الوافد إلى المدينة حبّات الرمل ليلمع الذهب، فأدركَ أنّ ترابيتنا كالفخار هشّة، لكنّ متى انكسرت طلع منها البهاء الذي فيها منذ أن رفّ روح الله على وجه المياه.
كان الولد يفرح بأزقة طرابلس المملوكيّة، يقرأ تاريخ النقوش، يحلّل المنمنمات الفنيّة، يزهو بالتلاوات الآتية من مآذن بجوار سكنه، وبالصلوات اليوميّة في كنيسة البلدة. هل أحسّ برسالته المدعو إليها هذا الخارج من الزقاق الضيّق إلى معارج الثقافة العربيّة والعالميّة عابرًا إليها من تراثه العربيّ، فبدا لكثيرين وريث النخل الطيّب في واحات تنتظر التائهين لينعموا بأفياء النور.
أيكون جورج خضر في سنواته المائة وعام، كقائد المائة الذي آمن أنّ كلمة السيّد تفعل من دون أن تذهب لتتأكّد؟ أم كانه بالفعل؟! من يعرفه يدرك أنّه هذيذ باسم العلي، وأنّه منصرف إلى دياره بفرح. من هذه المئوية يأتي جورج خضر إلى مائيته. هو مائيّ لأنّ الماء عنده ينهضك من الجرن عمود نور، كما أنجد أخاه طوني من فيضان نهر أبي علي عام 1955، بعدما جرفه الماء وابتلع وحله، وهو ناريّ لأنّ مبتغاه أنْ يبقى غيورًا على محبة المسيح، وأن يبقى عمود نار يضيء لعابرين شغلتهم الدنيا وأحرقتهم تكاليف الحياة، فألهمهم بلغته العربيّة وأرشدهم إلى وجه من أحبّ، كاشفًا كنوز كنيسته الأرثوذكسيّة الشرقيّة، فكان في عظاته وكتاباته بلاغيّا إبلاغيًّا.
جورج خض بعد مائة عام وعام نشيد أناشيد جديد يطول إيقاعه في هدأة النفس وسكينة الروح.
***
* لمناسبة الاحتفال السبت ٦ تموز ببلوغه 101 عاما بدعوة من حركة السبيلة الأرثوذكسية في جامعة الحكمة – بيروت-
يتكلّم: الاديب الياس خوري، الوزير النقيب رشيد درباس، وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، ممثل غبطة البطريرك يوحنا العاشر المتروبوليت سلوان موسي، والاستاذ غسان الحاج عبيد.
إلى سنين عديدة.