مدينةُ الغاردينيا/ قصة قصيرة
ديانا جورج حنّون
دخلَتْ بائعةُ زُهُورِ الغَاردينيا مدينةً شَوارِعُها قَاحلةٌ نَاسُها مُكْتَئبةّ وُجُوهُهُمُ كَالحةٌ. إن اقتربَتْ مِن أحدِهِم لِتبيعَهُ زَهرةً نَظَرَ إليها شَذْراً وابتعدَ عنها كأنّها مُصابةٌ بِمرضٍ مُعْدٍ.
حَزِنَتْ حُزناً شَديداً على زُهُورِها البيضاءِ الجميلةِ وجَلسَتْ على حَجَرٍ في الشّارعِ وهي تَنتظرُ شَارياً يُبهِجُ قَلبَها.
فَجْأةً ظَهَرَ أمامَها رَجلانٍ أمسكا بها، كلُّ واحدٍ من جِهّةٍ، واقتاداها إلى السّجنِ.
رُمِيَتْ بائعةُ زُهورِ الغَاردينيا في زِنْزانَةٍ مُعْتِمَةٍ يَدخُلُها ضَوءٌ خَجُولٌ من فُتحَةٍ صَغيرَةٍ في الجِدارِ.
“لِمَ أنا هُنا؟ لَمْ أقُمْ بأيّ شيءٍ؟ لَمْ أُسِئ لأحَدٍ”… قَالَتْ وَبَكَتْ بُكَاءً مُرّاً.
سَقَى دَمْعُها زَهْرَةَ الغَاردينيا البيضاءَ التي نَمَتْ على تُربَةٍ في أرضِيّةِ السّجنِ وَكَبرَت كَثيراً وَخَرَجَتْ إحدى أغصانِها من الفُتحَةِ في الجِدارِ واتجَهَتْ صَوْبَ قَصْرِ الحاكمِ.
فُوجِئ الحاكمُ بِزُهورٍ بيضاءٍ فَوّاحةٍ احتلّتْ قَصرَهُ. فَنَادى على الوزيرِ وَسَألَهُ :
– مَنْ خَالَفَ القانونَ وَزَرَعَ الزّهُورَ؟
– أيّها الحاكمُ المُبجّلُ ، إنها بائعةُ زُهُورٍ غَريبةٌ أتَتِ المدينةَ وهي موجودةً الآن في السّجنِ.
– جِيئوني بِها على الفَور.
وَقَفَتِ الفتاةُ أمامَ الحَاكمِ مُطأطئةَ الرأسِ وَسلّتُها بِيدِها.
– لِمَ أتيتِ مَدينَتي، يا فتاةُ؟
– دَخلْتُ المدينةَ لأبيعَ زُهورَ الغَاردينيا. رَدّتْ وعيناها أرضاً.
– زُهورُ الغَاردينيا؟
– نَعَم ، وهي زُهورٌ لَونُها أبيضٌ جَميلٌ وذاتُ رائحةٍ عِطريةٍ مُميّزَةٍ وهي تَرمُزُ إلى النقاءِ والفرحِ والحبِّ.
وأخَذَتْ من السّلةِ زَهرةَ الغَاردينيا وَقَدّمَتْها للحاكمِ وعيناها أرضاً.
– إن بَيعَ الزّهورِ ممنوعٌ في مدينتي وأنتِ خَالَفْت القانونَ.
بِبَراءَةٍ رَدّتِ الفتاةُ:
-زَهرةُ الغَاردينيا لا تُشبِهُ أيَ زهرةٍ…
هدأ الحاكمُ وقالَ:
– مُنذُ وَفاةِ زَوجتي مَنعْتُ زِراعةَ الزّهورِ وَبَيْعَها وكلَّ مظاهرَ الفرحِ، والزّجُ في السّجنِ قصاص مَنْ يَدخلُ المدينةَ بائعاً.
عِشْتُ أياماً سوداءَ في غيابِ المرحومةِ زوجتي لكنْ رائحةُ الغاردينيا التي انتشرَتْ في أرجاءِ القصرِ أعادَتْ نسمةَ الحياةِ إلى قلبي الحزينِ.
إرفعي رأسَك يا بائعةَ الغَاردينيا لأنّني عَفَوتُ عنكِ، وبِدءاً من هذهِ اللحظةِ سَتزرعينَ هذهِ الزهرةَ البيضاءَ في الشوارعِ والحدائقِ العامةِ والباحاتِ وشُرفاتِ البيوتِ…أريدُ مدينتي في أبهى حُلةٍ وسَأُطلِقُ عليها “مدينةُ الغَاردينيا”.