الطريق…

Views: 188

د. جان توما

موحشةٌ الطريقُ في غيابِهم. يمتدُّ الدربُ كالحيِّ العتيقِ، كخُطى الصيادينِ العائدينَ من بحرِهِم، يحمّلونَ زوارقَهُم خيرًا لعيالِهم وحكاياتٍ مالحةً لأولادِهِم زادًا لهم قبل غفوتِهِم الهانئة.

تسألُ المقاعدُ عن الجالسينَ الذين كانوا هنا في عتمةِ المساءِ قبل أن تسرقَهم نجمةُ الصبحِ إلى المطارحِ البعيدة. تروي الأشجارُ حكاياتِ العابرينَ من هنا، تزيدُ الحكايةَ حكايةً همسًا أو جهرًا. لعلَّ الضوءَ الخافتَ يحكي همسَ الشفاهِ في أُذُنِ العمرِ المغادرِ إلى دروبِ النسيان.

يأتي المطرُ حزينًا كفصلٍ يتراصفُ خلف الفصولِ الأربعةِ باحثًا عن وجهٍ، عن ملمحٍ تائهٍ، يعمّدُهُ بالماءِ النازلِ من فوق، بعد أن يلملمَ الغيمُ من الأرض ِزهر َالقطرات، يودعُها قلبَهُ  لينزلَها من فؤادِه ِمجروحَةً بالندى، ليرسمَ على ورقِ الوردِ أسماءَ المشتاقين إليهم في يبابِ الأيامِ وفصولِ الغيابِ.

موحشةٌ الطريقُ في غيابِهم، ولولا الذكرى المقيمةُ هنا لصار الفراغُ أقسى. عُودوا إلى مطارِحِكم، احفروا على جذعِ الشجرةِ الأسماءَ لتزهرَ الأوراقُ دفاترَ شوقٍ، واتركوا المطرَ “يمحي المدى ويمحي الطريق”. عودوا أنّى كنتم ورنّموا نشيدًا واكتبوا كلماتْ:

“يا سنين اللي رِحْتِ ارْجَعيلي

‎ارْجَعيلي شي مرّة ارْجَعيلي

‎وردِّيلي ضحكات اللي راحوا

‎اللي بَعدا بْزَوايا الساحاتْ”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *