“أحداث دمشق 1860 ودورها في نشأة الشرق الأوسط”… محاضرة للباحث يوجين روغان في الجامعة الاميركية
سليمان بختي
كانت القاعة محتشدة في المحاضرة التي ألقاها الباحث يوجين روغان من جامعة أوكسفورد وجاءت بعنوان “احداث دمشق 1860″ وذلك في اطار المحاضرة التذكارية السنوية للمؤرخ الراحل كمال الصليبي. قبل بدء المحاضرة ضاع النشيد الوطني لأسباب تقنية وانقذ الموقف د.مكرم رباح مستخدما هاتفه الخلوي. وفي استهلال رئيس الجامعة فضلو خوري قال: … إنها فرصة مميزة للجامعة ان تستضيف يوجين روغان محاضرا وصديقا للصليبي لأكثر من عقدين”. وأشاد بالمؤرخ الراحل باعتباره مثالا للباحثين لا بل باحثا لكل الفصول.
وفي تقديمه للمحاضر تذكر د.مكرم رباح المؤرخ الصليبي الذي علمنا الولاء والاحترام والتواضع . وعن المحاضر روغان قال انه احد اهم الباحثين في جامعة أوكسفورد. “يكتب ويجعلنا نرى كيف تقاوم الذاكرة. يكتب عن الذاكرة لكي يجعلنا نفهم مقومات الحاضر. ويمزج الارشيف والسرد والوقائع والعمق الإنساني في آن. كتابه عن احداث دمشق ليس عن الماضي بقدر ما هو عن الحاضر. عن عالم ممزق بين الثقة والخيانة والإصلاح”.
استهل د. روغان محاضرته عن ذكرياته في الجامعة الاميركية وسعادته في هذا اللقاء. وقال: “عرفت كمال الصليبي أستاذا وصديقا وتأثيره عميق في كتبي وابحاثي . لا استطيع ابدا ان انسى سحر شخصية كمال الصليبي المؤرخ والإنسان والمثقف”.
اعاد يوجين روغان في محاضرته احياء واحدة من تلك المحطات الفاصلة في الشرق الاوسط، ومستندا الى مصادر عديدة وبالاخص شهود عيان كتبوا مثل مخايل مشاقة واحمد الحسيبي والاسطواني. روى روغان احداث دمشق 1860 وكيف اندلعت الاضطرابات واعمال العنف في لحظات في جميع أنحاء الشام، وادت الى حدوث مجزرة بحق الاف المسيحيين من سكان دمشق اذ كانوا يشكلون 15 بالمائة من مجموع سكانها. وأعطى لمحة تاريخية عن وضع الامبراطورية العثمانية في ذلك الوقت وتمتعها بالقوة والصلابة. ولكنها تحت ضغط التغييرات الاقتصادية والتوسع الامبراطوري الأوروبي بدا يصيبها الضعف والوهن.
توقف روغان عند الإصلاحات التي طرحت في منتصف القرن التاسع عشر واثارت توترات في كل مكان في الامبراطورية العثمانية وخاصة في دمشق. اذ كانت دمشق متعددة الثقافات وتربطها تجارة القوافل ببغداد من جهة والبحر الابيض المتوسط ومكه من جهة أخرى. الا ان فوضى اللغات والعادات والتقاليد جعلتها مكانا متسامحا ولكن بخوف وحذر ايضا، وان الإصلاحات راحت تصب في خدمة الاقليات المسيحية على حساب الاغلبية المسلمة. ولكن لحظة مفترق الطرق لكل ذلك كان عام 1860 عندما فجأة اصبح الناس الذين عاشوا جنبا الى جنب لعقود متنافسين لا بل اعداء. ومع وصول انباء الحرب الأهلية في جبل لبنان ومجازرها الى مدينة دمشق. وتحت تهديد قوة استطلاعية فرنسية تعامل العثمانيون مع الكارثة بفاعلية وقسوة وإجراءات صارمة. ولكن ماذا حصل يعد ذلك؟
انهار عالم دمشق القديم الجميل والذي اتسم عموما بالتسامح واصبح إطلالا واشباحا وظلالا. واستغرق الامر ربع قرن لاستعادة الاستقرار والازدهار الى العاصمة السورية .
وصف روغان ما حدث بأنه إبادة جماعية أدت الى مقتل 2500 في اليوم الاول وآلاف المهجرين. عارضت الحكومة العثمانية عمليات القتل خوفا من ان تستخدم القوى الأوروبية هذه المجازر ذريعة للتدخل. هل ساهمت هذه المجازر في تغيير سياسات العثمانيين؟ارسل الباب العالي احد اكفأ ساسته احمد فؤاد باشا لمعاقبة المسؤولين وتعويض الضحايا واعادة الإعمار إلى المناطق المتضررة. توقف د. روغان عند دور الامير عبد القادر الجزائري الذي جمع اكبر عدد ممكن من المسيحيين واواهم في منزله.
هل ساهمت احداث عام 1860 في تحصين دمشق من الطائفية ؟ يجيب روغان: “نعم في المستقبل المنظور ولكنها انذرت بهبوب ريح العنف الذي عصف بالعلاقات بين المسلمين والمسيحيين في العقود الاخيرة من حكم العثمانيين”.
وكانت اسئلة من الحضور ومنها انه لولا مجزرة دمشق لم تكن بيروت لتولد. قال: “لا احد يستهين بانطلاقة بيروت القوية قبل 1860”. وان النظام في سورية شكلته فيما بعد المواطنة من طوائف مختلفة لكن بحقوق وواجبات مشتركة وبالتالي تطور باتجاه لاطائفي . اما النظام في لبنان فهو استمرار للجذور الطائفية في المتصرفية والميثاق الوطني .
كان د.يوجين روغان يقرا في محاضرته وقائع الماضي والحاضر والمستقبل والتاريخ يستعيد نفسه .