سجلوا عندكم

كي يحيا السوق

Views: 727

د. جان توما

كم رسمت هذه القناطر هويًات الناس التي سكنت هنا أو مرّت. عاش هؤلاء هنا في قناعة عيش وراحة بال، وإن عبروا فرؤوسهم مرفوعة تتأمل هذه القناطر فيما يعبرون من تحتها وفيما  ينتصر الزمن عليهم، ولكنه لم يقدر على هذه الحنيات العمرانيّة.

ماذا لو تكلمت هذه القناطر؟ أتراها تتذكر أبو يعقوب الحلاق، الذي كان بين طرقة مقصّ وأخيه، يعنّ في باله نغم ، فيتناول البزق ليعزف عليه فذقن الزبون تنتظر، والدنيا بألف خير؟.أتراها تتذكر أفلام المساطيل الثلاثة وزورو والكشافة والهنود في سينما هوليود  في يسار الصورة؟ أتراها تذكر مطانيوس باسيلي، صاحب البيت الواسع فوق القناطر الذي كان يوزّع الطعام أمام بيته لكلّ جائع في الحرب العالمية الاولى؟ ليتحوّل  في الحرب العالمية الثانية إلى مستشفى؟ أتراها تذكر المعلّم بشارة الذي كان يصبّ تماثيل الجفصين لموسم الميلاد؟ أتراها تذكر” الخال” الذي أدار سينما هوليوود بكراسيها الخشبية، قبل أن تغلق ويهاجر نجوم الشاشة الفضيّة إلى الذاكرة، وينتهي صاحب مؤسسة تجارية؟ وماذا عن ريّس الصيادين جرجي وخبرته الطويلة في هويّة البحر وكرمه بأنواع سمكه؟ أتراها تذكر أيضًا سامي، وميشال وأبو فؤاد، وقهوة أبو كابي، وأبو حسين  بيّاع الكاتو، ومصبغة كليوباترة،  وغيرهم.

هنا تتركّز آثار سوق الخراب الهندسيّة المتراكمة الذي دكّه قلاوون يوم دحر الفرنجة من طرابلس البحرية عام ١٢٨٩م، فهنا تجد القناطر الإفرنجية والبيوت العربية والطريقة الهندسية العثمانيّة في دعم الشرفات بالخشب المسنود إلى الحائط.

إنّ هذه المساحة الصغيرة هويّة من مرّ من هنا، في هذه المدينة البحرية، والمطلوب منذ زمن، واليوم، أن يعمد المعنيون ومهتمو الآثار والبلدية إلى ترميم هذه البقعة وصيانتها، فهنا الأصول ، كما في بقع أخرى من سوق الخراب الممتد من هنا إلى البوابة مرورا بالجامع العالي وغازي والحميدي.

يموت السوق اليوم، وتغلق محلاته بالهجرة، وبالنزوح ،وبالوضع الاقتصادي. من ينهضه من سقوطه؟ اعملوا كي لا يموت السوق ويضيع الدفتر الحيّ الأصيل ، لأنّه إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *