الجهل والتضليل والحمق… بدايات فناء الجنس البشري

Views: 207

 أنطوان يزبك

السفسطائيون من أوائل الفلاسفة الذين اتقنوا العبث في عقول الكثيرين من الناس الذين لا منعة لديهم ولا قدرات تحليلية صائبة، ولا يتمتعون بقدرات تبني سدودا منيعة في وجه الغزو الفكري. وكان رجال السياسة في اليونان يعمدون إلى استخدام الفلاسفة السفسطائين من أجل نشر أفكارهم الهدامة المميتة والتي تصب في نهاية المطاف في خانة مصالحهم الخاصة.

فكان الفيلسوف السفسطائي قادرا على إقناع عامة الناس بأمور مستحيلة مستعينا بالمجاملات والمجادلات اللغوية والمماحكات الكلامية والمحسنات البديعية ،ولكنني على يقين بأن هؤلاء الفلاسفة أبناء السفسطة العوراء والآلة الحدباء(بمعنى الكفن والتابوت) ما كانوا ليصيبوا نجاحا ويملكون على الاذهان والعقول، لولا غباء الناس وجهلهم واستعدادهم المسبق لكي يصدقوا ما يقال لهم من دون تحليل وتنخيل ودراسة وتمحيص.

يقول فولتير: “يصعب تحرير الحمقى من الأغلال التي يقدسونها!”

وهنا بيت القصيد ولبّ الأزمة ، هذا التعوّد لدى الناس على الالتصاق بكل ما هو فاسد وعدم القدرة علي التغيير والانعتاق من الأغلال والعبودية والخوف من ثورة حقيقية وسلوك درب التحرر، جعلهم يكونون على ما هم عليه، ولا يجب القاء التهمة على أي عامل آخر، الفساد كامن في الداخل ولا أحد يهتم بمحاربته وطرده!

يقول جبران خليل جبران: “الحقيقي فينا صامت ولكن الاكتسابي ثرثار”.

هذه  المشكلة الحقيقية في الإنسان، وهي  كامنة في داخله حيث يداوم على  الصمت بشكل متعمد ويهمل  صوت الحق، لذلك تفتح الأبواب على مصراعيها لكل الترهات غير النافعة وحتى الضارّة له ، والمؤلم في هذا الإنسان مقدار الخباثة في دواخله ونوازعه وميله الدائم إلى الشر والوقوف إلى جانب الداعر ، الزاني ، الساقط ، المجرم ، المرتكب ، العميل وبائع الذمم المنحط وهو غالبا ما يلعب دور المدعي صفة القداسة والطهر والعفة في مسرحية الكذب والرجاسة .. رحم الله والدي الذي كان يردد على مسمعي: “العاهرة تتجاهر بعفتها اكثر من امرأة طاهرة” .

وكم يحتج المرتكب المجرم حين توضع اليد عليه من قبل السلطة والشرطة ويصرخ أنه بريء وأنه متهم زورا وبهتانا، وهو قد ارتكب السبعة ودمتها وأكثر بالدماء لطّخ يديه وثيابه حتى أذنيه!

لا أعلم من قال: “رأيت الناس خداعا إلى جانب خداع يعيشون مع الذئب ويبكون مع الراعي”.في هذا الكلام عين الحقيقة وخلاصة الصواب، فالناس هم الحاضنة التي تتلقف التضليل والجريمة والتفنن في استحباب واستجلاب الحقارات والدناوات والدناءات ويصفقون لها كما يفتحون أبواب بيوتهم للرذيلة ، فتخرب وتحترق وفي نهاية المطاف تزول وتضمحل !

داء البشرية الجهل وفقدان العقول النيرة واستفحال الغباء، يقول تشيخوف: “ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح ، والف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية ، وتظل الغالبية بلهاء على الدوام ، ولها الغلبة دائما على العاقل!”..

نجّانا الله من الجهل والحمق وانغلاق العقول في عصر نحن فيه أحوج إلى المنطق والعقلانية نبحث ونبحث ولا  نجد ، وقد اضعنا مصباح ديوجين واقفلت قلوب الناس وضرب الحجر على صدورها!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *