كفّوا أيديكم عن جامعتنا
مدى الدبس
ليس في بيروت كلّها مساحةٌ خضراء أو حَرَمٌ جامعي أجمل من الجامعة الأميركية في بيروت. وليس في العالم العربي صرحٌ أكاديمي بمستوى الجامعة الأميركية في بيروت عراقةً وتأسيساً للمنارات.
نعم.. ما زال في لبنان ما يستحق الحماية والإنصاف. ما زال في لبنان مساحةٌ معرفية يكرَّسُ فيها العقل شرعاً أعلى، فكيف نقبل رجمها أوِ التنكر لواحتها الظليلة؟
لسنا هنا في صدد نقاش الخيارات السياسية لادارة الجامعة الأميركية، ولسنا نهدف لتبرير زيادة الأقساط العالية أصلاً (برغم كون المؤسسة جامعة خاصةً، وبرغم أنها أعلنت منذ أكثر من عام عن هذه الزيادة). وإذا كنا ندين أي اعتداء من المتظاهرين على أملاك الجامعة وحرمها، فإننا في الوقت نفسه ندين أي قمع غير لائق تعرض له بعض الطلاب والطالبات خلال التظاهرات. لكننا هنا لنرفض حملة الاساءة والتخريب التي تتعرض لها هذه الجامعة بكل ما ترمز إليه كمؤسسة عقلانية للتعليم العالي في عاصمة أدمنت النزف والألم، في مدينةٍ تحتاجُ أكثر من أي وقتٍ مضى لصرحٍ عِلميّ ريادي، بكل مسؤولياته ومستتبعاته.
الجامعة الأميركية في بيروت خرجّت أفواجاً مستنيرة للانسانية بينها قامات وطنية لبنانية وعالمية بصماتها محفورة على القرن العشرين ، وبينها رئيس وزراء سوريا الأسبق فارس الخوري، ورئيس السودان الأسبق اسماعيل أزهري، ورئيس المالديف السابق عبدالله يمين، والوزيرة الكويتية رلى دشتي، وستة رؤساء وزراء للأردن منهم عبد الحميد شرف ومئات الدبلوماسيين كالسفير الأميركي شارلز هوستلر، والسفير الياباني شيغيري اندو، والسفيرة الألمانية بريجيتا سيفكر-ايبرلي والأكاديمية الفلسطينية حنان العشراوي والطبيبة السعودية المتقدمة فريدة السليمان وآلاف الأطباء والممرضات والباحثين والمهندسين والعلماء والناشطين – هذه الجامعة خرّجت أعلاماً لبنانيين أضاءت الظلمات فعلياً ومجازياً كحسن كامل الصباح وشارل مالك وغسان تويني وكمال الصليبي وفيليب حتي وأنيس فريحة وإميلي نصرالله اضافةٍ الى عدة رؤساء حكومات لبنانيين، كما رفدتها هيئة تعليمية نوعية يضيق المجال لذكر أسمائها. هذه الجامعة الطليعية تتعرضُ اليوم للهجوم ويشوَّه وجهها بدون خجل. فهل يرتاح مهاجموها اذا خفتَ نورها أو انطفأ؟ هل يرتاحون اذا أوصدت هذه الجامعة (لا سمح الله) أبوابها كما حصل مع مؤسسات أخرى عديدة وعريقة؟
نحن ندرك تماماً أهمية الدور الطالبي في معركة الكرامة الدائرة على المدى اللبناني الأوسع. وربما يكون مفيداً الإستذكار السريع لبعض المحطات خلال الدراسة في الجامعة الأميركية، إذْ نظّمنا غير مظاهرة داخل الحرم الجامعي رفضاً للمجتمع الذكوري، أو ضد حصار غزة أو تأييداً للزواج المدني الإختياري – حتى أننا تظاهرنا ضد قرارات لادارة الجامعة – مرةً لمنعهم عضو البرلمان البريطاني السابق والمثير للجدل جورج غالاوي من تنظيم محاضرة في الجامعة ومرةً أخرى ضد زيادة الأقساط… نعم هذه معركةٌ طالبية قديمة، وهي معركة حق لكنها يجبُ ألّا تُخاض بسلاحٍ ينفجر بحاملهِ… ويقيننا أن المجتمعات لا تتقدم إلا بالعقل النقدي الناهض، ولا يدمّرها إلا الجهل الذي يكون أحياناً أسوأ من الخيانة.
ان الأكُف التي تنهال على وجه الجامعة الأميركية في بيروت إنما تصفع وجوه اللبنانيين جميعاً إنْ كانوا يعقِلون، وتؤذي مصالحهم. ونحن نقول لأصحاب تلك الأكُف : وجِّهوا أياديكم بعزمٍ الى صناديق الاقتراع واجعلوا أياديكم تقرع بغضبٍ على أبواب السياسيين والمصرفيين والتجار المتورطين بإفقاركم واستتباعكم … لكن كفّوا أيديكم عن الجامعة الأميركية في بيروت، عن فسحة الأمل المتبقية للطلاب الطموحين ، فلربما بقي لنا أملٌ بغدٍ أفضل… ولو بعدَ حين.
***
(*) مدى الدبس، خريجة الجامعة الأميركية في بيروت اختصاص إدارة عامة. تعمل حالياً في العاصمة الكندية أوتاوا. عملت خلال دراستها في الجامعة ككاتبة ومحررة في جريدة الجامعة “أوتلوك”، وفي قسم اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى.