سجلوا عندكم

دراسة جامعيّة للباحثة ريتّا يوسف حدّاد بعنوان: “بين الموت والجنون”، قصّة “مات أبي مرّتين” لـ مطانيوس قيصر ناعسي أنموذجًا

Views: 491

نشرت “مجلّة الحداثة” (فصليّة ثقافيّة أكاديميّة مُحكّمة) العدد ٢١٣-٢١٤، شتاء ٢٠٢1، دراسة جامعيّة  موضوعاتيّة للباحثة د. ريتّا يوسف حدّاد بعنوان: “بين الموت والجنون”، قصّة “مات أبي مرّتين” لـ مطانيوس قيصر ناعسي أنموذجًا، في ما يأتي مُقتطفات منها:

 

 

الباحثة د. ريتّا يوسف حدّاد

 

تطرح قصّة “مات أبي مرّتين” لمطانيوس ناعسي إشكاليّةً فلسفيّة، إذ يعني بالموت الأوّل فقدان العقل وبقاء الرّوح في الجسد، ويشير إلى فقدان الرّوح في الموت الثّاني…

… لا يستطيع أيّ إنسان أن يتحدّث عن الموت انطلاقًا من تجربة شخصيّة ذاتيّة، فاختبار الموت لا يخصّني أنا، إنّما إنسانًا آخر اختبره فكان أن تحوّل وجهه إلى قناع واختفت تعابيره، وهكذا تكون علاقتي بموت الآخرين علاقة خارجيّة، أستطيع أن أحسّها من بعيد وأرى جمود الإنسان، ولكنّني لا أتمكّن من الشّعور بما يشعر به الميت، الّذي لا يستطيع بدوره أن يعبّر عمّا يشعر به أو يختبره.[1]

غلاف فصليّة “الحداثة” التي نشرت فيها الدراسة

 

“الموتُ نكدٌ وكاسدٌ وعارٍ وناحل، ويحصد فرائسه بالمنجل،”[2] فكيف إذا تكرّر “مرّتين”؟ ألا يمكن لهذه العلامة: “مرّتين”، وفي إطار دراسة العنوان السّيميائيّة، أن تشير إلى عمق المأساة المزدوجة؟ وأن تدفعنا إلى الغوص في لجّة النّصّ لكشف الغموض، وفتح مجال من التّأويلات؛ الأوّل غيابٌ جزئيّ، والثّاني غيابٌ كلّيّ، الأوّل يرحل ويبقى منه جزء، والثّاني يرحل الجزء الآخر من الوجود. وفي الحالين لا يملك الإنسان الإرادة أو الاختيار أو القدرة على التّحكّم بالمصير. والغلبة للموت الّذي حصل مرّتين أمّا الحياة فمرّة واحدة. (bparlay.com)

غلاف كتاب “مات أبي مرّتين”

 

خسارة العقل جنونٌ، وخسارة الرّوح موتٌ جسديٌّ، أمّا بالنّسبة إلى الكاتب، فكلاهما موتٌ وفي كليهما تنعدم الإرادة. وعلى الرّغم من أنّ الموت نهاية حتميّة لكلّ كائنٍ بشريّ، إلّا أنّه لا يملك الحرّيّة في اختيار لحظة مغادرته لهذه الفانية.[3]…

قيصر ناعسي (والد مطانيوس)

 

… وتحسب للكاتب الإضاءة بجرأة وموضوعيّة على موضوع الجنون، الّذي كان مستورًا لأسباب عديدة، وهو، بكتابة هذه الأقصوصة لأصحاب النّفوس النّيّرة، قد واجه خوفه والأزمة الّتي مرّ بها وتخطّاها، وعوضًا عن أن تكون مسجونة في اللاوعي تؤرّق حياته الطّبيعيّة، حرّرها إلى الوعي، وأكثر من ذلك، جعلها نصًّا أدبيًّا يصل إلى أكبر قدر ممكن من النّاس. ويشير علم النّفس إلى أنّ الإنسان، عندما يواجه ما يؤلمه، ويخرجه من اللاوعي إلى الوعي، يتحرّر منه. “إنّ الشّعور في الإنسان كالسّطح بالنّسبة إلى الأرض، إذ إنّ النّاس يعيشون على السّطح، ولا يدركون النّار المضطرمة في أعماق الأرض، واللاشعور في الإنسان هو أعماقه المضطربة بالرّغبات  والشّهوات المكبوتة. فيصاب بالمرض النّفسيّ.”[4]…

عفاف ناعسي (والدة مطانيوس)

 

***

[1] – Emmanuel Levinas, « Dieu, la Mort et le Temps », Editions Grasset et Fasquelle, 1993, p. 21-23-25.

[2] – Soeren Kierkegaard, « Le concept de l’angoisse », p.140.

[3] – جاك شورون، “الموت في الفكر الغربيّ”، ص336.

« Je ne suis pas libre de mourir, mais je suis mortel, et il est absurde que nous soyons nés ; il est que nous mourions, d’autre part cette absurdité se présente comme une aliénation permanente de mon être possibilité qui n’est plus possibilité, mais celle de l’autre. »

[4] – عبد المنعم  الحفنيّ، “موسوعة أعلام علم النّفس”، ص 211.

مطانيوس طفلا، يجتفل بعيد ميلاده مع شقيقته فيرا ووالدته عفاف  

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *