الحرب السوفياتية/الروسية – الأميركية الضارية منذ 1975!! (3)
د. إيلي جرجي الياس
*الحلقة العاشرة من سلسلة القيادات الروسيّة والسوفياتيّة 1900-2022، رؤية تحليليّة واستراتيجيّة!!
من سمات الحرب السوفياتية/الروسية – الأميركية الضارية منذ 1975، الخروقات الاستخبارية والأمنية الكبرى بين طرفي هذه الحرب، دون حدود تذكر، أو معايير توضع، حتى في زمن انهيار الاتّحاد السوفياتي وانبثاق الاتّحاد الروسيّ…
ولكن، بسبب حجم الخروقات المتبادلة بين الفريقين، ومقدار قوّتهما الاستخبارية الفائقة والفائضة، ثم انهيار التجربة الشيوعية السوفياتية في خضمّ هذه الحرب الاستخبارية، لم يستطع السوفيات تحقيق انتصارات استخباراتية حاسمة… “
عمل يوري آندروبوف كقائد عامّ ل كي جي بي، ثم فيكتور تشابريكوف، على خرق المخابرات المركزية الأميركية سي أي إيه بقوة!! وأبرز هؤلاء الذين اخترقوا سي أي إيه، ألدريتش هيزين أيمس، الضابط في سي أي إيه، منذ 1962، ومنذ أيلول 1983 في القسم الخاص بالإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية في واشنطن، ومنذ 1985 حتى تاريخ اعتقاله سنة 1994 على يد ال أف بي أي، عميلاً لمصلحة ال كي جي بي ثم المخابرات الروسية.
أوقع أيمس بكبار ضباط ال كي جي بي العاملين لمصلحة ال سي أي إيه: فيتالي يورشنكو، ديمتري بولياكوف الذي أُعدم سنة 1988، أوليغ غورديفسكي الذي أنقذته المخابرات البريطانية لتعامله معها، أدولف تولغاتشيف الذي أُعدم سنة 1986، فاليري مارتينوف أُعدم أيضاً، سيرغاي موتورين أُعدم أيضاً سنة 1988، سيرغي فيدورنكو صديق أيمس الشخصي والذي أفلت من قبضة الإعتقال بفضل دهاء استخباريّ عالٍ…
كارثة استخبارية عنيفة
كان حجم المعلومات التي قدّمها أيمس للسوفيات هائلاً، لا بل أهمّ من أيّة معلومات قدّمها جاسوس آخر!! حتى اعتقال روبرت هانسن سنة 2001!! أما روبرت فيلبس هانسن، فقد مثّل كارثة استخبارية عنيفة عصفت بالولايات المتحدة الأميركية: عميل متقدم لل أف بي أي يتجسس لمصلحة المخابرات السوفياتية وبعد ذلك لمصلحة المخابرات الروسية من سنة 1979 حتى سنة 2001، ناقلاً إليهما كمّاً هائلاً ونوعياً من المعلومات!! حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، ناهيك عن مسؤولين استخباريين أميركيين آخرين كإدوار لي فيكتور هوارد، المسؤول في سي أي إيه، والعميل المزدوج في آن لمصلحة كي جي بي، والذي استطاع الهرب سنة 1985 إلى الاتحاد السوفياتي عبر هلسنكي!!
حرب استخبارية شاملة
صراعٌ مستعر بين الأجهزة الأمنية الأميركية والسوفياتية، وبينهم شبكة من العملاء المزدوجين يتحركون في كل اتجاه، مثيرين الكثير من الفوضى والقلاقل. يتّضح أنّ المخابرات السوفياتية عملت جاهدة لاختراق الأجهزة الأمنية الاستخبارية الأميركية، سواء الداخلية أف بي أي، أو الخارجية سي أي إيه!! وهذا السلوك ينطبق أيضا على المخابرات المركزية الأميركية… مما يجعل الحرب الاستخبارية بين الطرفين شاملة وقاسية وممتدّة عبر العالم!! ويمكن ملاحظة أن هذه الحرب الاستخبارية، وإن خفّت وتيرتها بعد انهيار المنظومة الشيوعية ووراثة روسيا عسكرياً وسياسياً وأمنياً للإتحاد السوفياتي، إلا أنها لم تهدأ، بشكلٍ يمكن اعتبار تسعينات القرن العشرين مرحلة انتقالية بين الحرب الباردة الأولى الأكثر عنفاً وانتشاراً، والحرب الباردة الثانية التي انطلقت بعد سنة 2000، والأكثر دقّةً واستعمالاً للتكنولوجيا المعلوماتية والرقمية المتمثلة بالجيل الخامس والجيل السادس من الحروب!!” من مقالتي العلمية: الحرب الباردة تمتدّ والمواجهات الاستخباريّة تشتدّ (1975-1990)، الدراسات الأمنية، مجلة فصلية محكمة، تصدر عن الأمن، العدد 86، ص 141، 142.
***
* د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ.