حبّة عنب
د. جان توما
كأنّ العمر عنقودًا، يبدأ بهيًا متماسكًا قبل أن تكرّ الحبّات ولكن ليزداد رونقًا. تروح الفصول تغزل بسحاب المطر شال آب تينًا وعناقيد، تتشاوف بثقلها عند عتبة البيت المنسي، أو على سطح البيت العتيق في تلك القرية الوادعة حيث تمضي ليلك ممدّدا على السطيحة، ترقب جِيدَ العُلى ، تتناول عنقود عنب أحلامك، تضع حبّة حبّة في عتم السماء كنجمة فوق نجمة ، فتلوح ذكرياتك كالشهب، نمرّ عطشى، فتشفي ظمأها بحبّة من صياغة صنارتَي الطبيعة، ما بين تراب وماء كأبيات قصيدة ما بين الأرض والسماء..
كانتِ العريشةُ شيئًا من الجذور التي تنبت الطيّبات على علو، وكنت تمضي أيامك بالقفز لتطال الحبّات النازلة كخصلة شعرٍ مجدولة على كتفّي حسناء. كيف تمرّ الفصول ظمأى على الرغم من سيولها وطوفانها؟، لكأنّها لا ترتوي إلّا متى صرخت حبّات العنب من كرم العلايلي أنّ: عنقودك هنا يا حلو يا غالي، عنقودك لِنا”.
كلّ جلول القريّة تكتفي بعرق جبين الفلاح، ذاك الذي يجرح ترابها ليداويها، ويرفع الحجارة لمنع انجراف التربة، في مسعى ليكون الزرع أطيب وأجمل وأبهى. كلّ الجلول تعرف خطى الفلاح المباركة، وكلّ شيطنة طفولتنا تشهد بذلك كما أنّ تلمظ شفاهنا يعترفُ بجهده، كلّما تناولنا سرقة بالحلال ” طوب ” تين، أو حبّات من عنقود متشاوف حلو طيّب المذاق.
من قال للعنب أن يتمخطر تيهًا؟ من علّمه النطق لينادي العطاش إلى عصيره ليبلّ الفم والروح والقلب؟ هو كما لعبة قلب حروف اسمه ليصبح ” النبع”، وإذا أضفت إليه أرض موطنه صار ” نبع الكرم”، فهلّا “جلست العصر مثلي بين جفنات العنب، والعناقيد تدلّت كثريّات الذهب”؟!