“الثورة الأنثى” لـ منى مشون

Views: 10

بين التمسرح… والواقعية!!

الشاعرة منى مشون
الشاعرة منى مشون

                                       النمسا- طلال مرتضى

طلال مرتضى
طلال مرتضى

الأمر ليس افتعالاً مبرماً، لعلها ثورة حقيقية تطلقها أنثى الوجع/ الانكسار، لتفرغ كل مكنوناتها/ لواعجها طي ملعبها المتاح/ الورق، وهو أضعف البهتان: ولا تزال الموءودة تقتل منذ الجهل القديم/ فلا جاني ولا مجرم وكلكم بريء/ ألا تنتهي يا رجل أن تكون إما قاتلاً/ وإما قتيل؟.
منى مشون الشاعرة اللبنانية وفي بيانها الأول “الثورة الأنثى” مجموعة خواطر صادرة عن مؤسسة الرحاب الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع البيروتية، تعلن انتفاضتها ضد قوى التسلط والاستعباد ـــ الرجل ــــ في صوت كسير يستجدي انسانية الرجل الشرقي قبل فحولته، تدلي قائلة: هو ثورةٌ نحو الحب، نحو الأمل، نحو التكامل، نحو علاقةٍ سامية مجردة من الأنانية، هو ثورةٌ نحو فهمٍ أعمق لقيمة الحياة المتمثلة باحترام العقل أياً كان في جسد امرأةٍ أو رجل. أتى منجزها على شكل رسائل تنطوي تحت عباءة ما يسمى الخاطرة الأدبية والتي تعتبر فن أدبي أقرب إلى القصة والرسالة وفي آن أخر القصيدة النثرية أن صحت التسمية، ومن ثيمات الخاطرة بأنها تتشكل في القلوب أولاً لتنزح بعد ألم إلى دوح السطور..
من هنا جاء اعتراف الشاعرة بأنها لم تسطع الإيفاء بوعدها بأن تخفي مضمرات ما يخالجها من مشاعر: إلى رفيقي وحبيبي/ الصمت/ ألف اعتذارٍ/ واعتذار/ فأنا لم أبقَ وفيّةً لك/ لقد خنتك/ ومارست الكلام/ وأنجبتُ قصيدة”.
منذ العتبة الحامل “الثورة الأنثى” العنوان، اسقاطاً بأن المكتوب “يقرأ من عنوانه” وتلك مغامرة يقع فيها الكثير من الأدباء وهو التسليم بأكواد ما يضمرون لقارئهم العليم، اللهم الا إذا كان الكاتب اشكالياً وله ما له من مآرب..
اعتمدت الشاعرة مشون في بناء معطاها “الثورة الأنثى” على نوعين من الخاطرة كي تُوصل لمتلقيها وعبر مخيال ثر يرتكز على رؤى فياضة عبثية الحيوات ورؤية تشي بأن ما هو آت يرتدي لبوس الضبابية، لذلك انطلقت من خلال الخاطرة الرومانسية لتقرع نواقيس الاستثارة عند الرجل: “بيني وبينك مسافات من الحزن/والصمت/واليأس/ والكبرياء/ لذلك كله/ أنا أشتاق لك/ وأحن لك/ وأنت بقربي”.
وفي آن أخر تعزف بأوتار الخاطرة الوجدية التي تعبر عن جوانيتها بحرية، وهو ما يترك لخيالها أن يشطح حتى أقاصي حدوده السريالية: “أنت الرجل/ ومن قال أني لا أعرف أنك الرجل/ فأنت الذي تضع المنطق والحساب/ وأنت من يكتب التاريخ للبلاد”.
إلى أن تنتهي بالقول استطراداً: وأنت الذي تحتقر العباد/ وأنت كل الرسل والولاة والانبياء/ ولو كنت أنثى قادراً على الإنجاب/ لشاركت الإله أو ربما/أنكرت الإله”.

غلاف الديوان
غلاف الديوان

وفي كلا الحالتين هذا يحتاج لكاتبة متمرسة كي لا تقع في مطب الفنون الكتابية الأخرى..
يقول الدكتور عز الدين إسماعيل الناقد، في كتابه “الأدب وفنونه” تصرفاً: بأن كاتب الخاطرة يحتاج إلى الذكاء وقوة الملاحظة ويقظة الوجدان. ولأن الخاطرة فن إيجاز ينأ عن التطويل الممل والاستطراد قالت: أبحث عن ذرة كانت من إيمان/ وأنت تبحث عن شبه إنسان. (https://fii-institute.org/) ” وفي كتاب “النقد الأدبي أصوله ومناهجه” يقول سيد قطب: هناك نوعان من العمل الأدبي نطلق عليهما لفظ المقالة، وهما يتشابهان في الظاهر ويختلفان في الحقيقة، فأحدهما انفعالية وهي الخاطرة والأخرى تقريرية وهي المقالة.
دأبت الكاتبة على توصيل فكرتها بطريقة مغايرة، من خلال لغة خطابية سهلة ممتنعة، الأقرب إلى التمسرح وهي الوسيلة الأنجع لإيقاع متلقيها وسلب لبه:
أتقنتُ الدورَ وحفظتُ التمثيلية/ وقبلتُ البدايةَ ورضيتُ النهاية/ وعرفتُ أنني البطلة وأني الضحية/ فأدمنتُ/ تكرار المسرحية/ ولكن آمنتُ أكثر/ بالحق والقضية”.
طياً، تترك الكاتبة قارئها على ضفتي من الهواجس قبل أن تغلق منجزها: “سيدي أنا لا أهابك ولا أخافك/ وأنا لا أكرهك ولا أحتقرك/ إنما/ أحتقر ضعفي/ وأكره حبي لك”.
وفي موضع أخر: أمسك بيدي جيداً/ حتى أجتاز النهر الجارف/ وأصل إلى ضفة قلبك الآمنة/ وأتخذه لي مستعمرة/ أقضي فيها ما بقي من أيامي الغابرة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *