النجومية العالية …

ميشلين حبيب

نجم لبنانيّ مستقلّ، طموح، وقويّ أثبت أنه لا يشبه أحدًا وأنه قادرعلى تجسيد الأدوار المختلفة والمعقّدة. باسم مغنية نجم ذكي، مثقّف، وواثق بقدراته التمثيليّة.

في مسلسل “أسود” الذي يُعرض على شاشة الLBCI من إنتاج إيغل فيلمز ومن كتابة كلوديا مارشيليان التي عالجت بطريقة ذكية ومن خلال الشخصية الرئيسة المنسوجة بإتقان موضوعًا مهمًا جدًّا وهو استغلال الأطفال جنسيًّا، ومن إخراج سمير حبشي صاحب التاريخ الطويل في الإبداع السينمائي والتلفزيوني، يجسّد باسم مغنية دور أسود رجل أعمال ثري ذات شخصية قاسية وغامضة. ومن ناحية أخرى، هي شخصية متألّمة تُظهر جانبًا إنسانيًّا يتمثّل ببيته الذي هو عبارة عن مزرعة كبيرة يعيش فيها مع مجموعة من الأولاد المتروكين ويؤمّن لهم الحماية والعيش الكريم والتعليم. في شكله وتصرفاته هو أقرب إلى مقاتل أو رئيس عصابة منه إلى رجل أعمال وقد جسّد باسم هذا التناقض وهذه التعقيدات في شخصيّة أسود ببراعة. وأعتقد أن الكاتبة مارِشيليان ربما كتبت هذا الدور لباسم بالذات.

يُظهر باسم مغنية في هذا الدور احترافيّة عالية تبيّن أنه قد درس خطوات شخصية أسود بدقّة ويَظهر ذلك جليًّا في ردود أفعال هذه الشخصية والتفاعل مع تطوّراتها دون أن يخرج منها أبدًا. أبدع باسم باعتنائه بتفاصيل الشخصية بشكل شامل من حيث اختيار الملابس ولونها، والحذاء، والمشية، والطريقة التي يتكلّم بها، وحركة اليدين، والشعر، واللّحية، وبخاصة نظرة العينين.

هو في داخله صامت يتآكله ألم وذنب قبض على أحلامه وحياته منذ الطفولة. أسود شخصية تعيش للانتقام من المرأة التي استغلّته جنسيًّا وسبّبت هذا الألم. هو طفل كبير يبكي أمه، التي يظن أنها ماتت بسببه، في كل لحظة. يبكي ما حصل له من استغلال جنسيّ في طفولته ويبكي طفولته الضائعة وأمه التي ماتت قهرًا. يبكي عارًا يتآكله من الداخل، أما الخارج فيعكس رجلًا قويًّا جذّابًا وواثقًا من نفسه يتصرّف بحزم وقساوة. هو قادر على الحب لكنه يعتقد أنه ليس من حقّه فيلعب مع الموت عوضًا عن ذلك.

يؤدي باسم هذه الشخصية المعقّدة التي تعيش صراعًا أليمًا بإحساس عالٍ. تقوم مشاهد كاملة على نظرة عينيه فيُدخل المشاهد في بحر من الوجع والحزن واليأس والطيبة والضعف والقوّة ويجعلنا نرى ونشعر بكل ذلك الألم متدفّقًا من عينيه، فينفطر قلبنا ونحزن لحزنه ونتألم لألمه ونتعاطف معه. نتعرّف على داخله من عينيه، ونتعرّف على ماضيه من عينيه.

نرى عند باسم انضباطًا كبيرًا حافظ من خلاله على أدائه الشخصية ولم يتعثّر أبدًا مما أبقى المسلسل متماسكًا؛ وأعتقد أن ذلك مهم بالنسبة للممثلين الآخرين (مع تحية تقدير لكل واحد فيهم) إذ أن شخصية أسود هي المحور الذي تدور حوله باقي الشخصيات.

أثبت باسم مغنية أنه يعرف كيف ينمو ويتطور كممثّل وكيف يحتلّ مكانًا خاصًا به وحده. باسم مغنية نجم لبنانيّ نفتخر به وبأدائه الرائع. أتمنى له التوفيق الدائم والتقدّم المستمر. وأتمنى أن لا يقبل أدوارًا لا تليق بمستوى قدرته وموهبته وخبرته. ويبقى أن نتمنّى على المنتجين أن يثقوا ويقدّروا المواهب التمثيلية اللبنانية القديرة والمحترفة ويعملوا على تقديم نجوميتها للعالم العربي والمنطقة وأيضا للعالمية، لم لا؟