جحافل الجراد

Views: 23

جوزف أبي ضاهر

الحرّية مكفولة في دساتير الأمم، وفي دستورنا، إذا اعتبرنا الأمم التي تنظر إليها بلادنا، ما زالت تنظر إلينا نظرة تقدير واحترام، منذ كانت بيروت تدرّس حقوق الإنسان في أواخر القرن الثاني الميلادي، وفاخر العالم بها فلقّبها: «أم القوانين والشرائع»، بعد اختيارها «مستودع أحكام الامبراطوريّة الرومانيّة»، وأصدر أحد أباطرة القرن الثالث دساتير تعفي طلاب مدرسة بيروت من الخدمة العسكريّة.

التاريخ لم يتوقف، بعد كارثة الزلزال التي حلّت بالمدينة، وظلّت سمعتها متوّجة بوهج الحضور.

العصور مرّت مسرعة، ومرّت في أرضنا جحافل غزاة نرى اليوم أحفادهم يتوزّعون في كامل بلادنا باسم سلطة في الظلّ وسلطة في النور… والنور لا يكفي لتظهير الصورة خالية من وقاحة الذين فيها، وهم وضعوا لذواتهم «حصانة» تؤهلهم واجتراح الأعاجيب في تشريع ما لا يُشرّع، فيصير شرعًا ومشروعًا وجملة مشاريع يحركونها لحظة تتجرأ الشمس وتُلمح إلى أفعالهم المنافية للعقل، وليس إلى ما دون.

الكبير شارل مالك وزير خارجيّة لبنان، الذي صاغ «شرعة حقوق الإنسان» في منظمة الأمم المتحدة (10 كانون الأوّل 1948). شدّد على التصاق لبنان جوهريًا بحقوق الإنسان بعد إعلانه لها… ولم تُطبّق إلاّ نسبيًا. وربّما شعر بشيء في داخله يقول له: «ارحل باكرًا حتّى لا ترى كيف ستصبح حقوق الإنسان في لبنان».

رحل… وارتفع عدد الجحافل التي قارب فعلها فعل الجراد في أزمنة الضيق.

Email:[email protected]

(Zolpidem)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *