وقف الله

خليل الخوري 

بسرعة عادت الحياة  الى الكثير من طبيعتها في هذا الوطن المعذّب الذي كتب عليه أنْ يمشي على حدّ السيف…

وأن يمشي عليه حافياً.

ليس الآن الوقت لتقويم الأسبوعين الماضيين وما حفلا به من تطوّرات وأحداث ومحطات مصيريّة لم يسبق للبنان أن شهد مثيلاً لها، خصوصاً بما تخللها من مطالب  وسقوف عالية وشلل تام للمرافق وانتشار الانتفاضة في لبنان كلّه من أقصاه الى أقصاه.

ولعلّ أجمل ما نضحت به الأحداث كان المزيد من الوعي لدى اللبنانيين الذين أثبتوا أن ما يجمع بينهم أكبر بكثير مما يفرّقهم. وأن في طواياهم توقاً إلى السلم. ولنعترف بأنَّ هكذا انضباطاً مع الحشود الجماهيرية قلّما نعاينه في أرقى بلدان العالم حيث تسود الديموقراطية.

صحيح أن تجاوزات سُجّلت وبعضها كان منافياً للأخلاق والقِيمَ و(الشتائم والأقوال القبيحة التي تناولت الأمهات والزوجات والأخوات والبنات… وأيضاً بعض الڤيديوات عن ممارسات شنيعة…) صحيح أن ذلك كان حقيقة قائمة، إلاّ أنّه كان من الندرة بحيث لم يلطّخ سوى الممارسين والفاعلين والشتّامين… والشتّامات أيضاً، فلم يستطع هؤلاء أن ينقلوا قباحاتهم إلى الأكثرية العظمى من مئات الآلاف الذين تدفقوا إلى الساحات فملأوها في المدن والبلدات والقرى وفي الطرقات والشوارع… وبالنسبة إلى هذه الأخيرة فقد كان قطعها علامة سلبية بالتأكيد.

وثمة من حاول من السياسيين المتسلّقين على مطالب الناس وآمالهم وحقهم في الحياة الحرة الكريمة… إلاّ أنّ الانتفاضة كانت أكثر وعياً فرذلتهم، وبينهم رؤساء أحزاب وسياسيون أسهموا مباشرة ومنذ عقود، في الحال التي وصلت إليها البلاد… فانكفأوا من دون أن يحققوا أغراضهم.

لبنان أقوى من الكل. هذه حقيقة تظهر كل يوم بالرغم  من علامات الوهن، وبالرغم من «الإصابات» التي توجه إليه كل يوم.

وأمس، بالذات، أثبتت المصارف أنها على قدر المسؤولية، ففتحت أبوابها واستقبلت عملاءها. وفي هذه النقطة بالذات لا بدّ من التنويه بالوعي الكبير لدى المواطن اللبناني الذي لم يأخذ بالشائعات ولم يستسلم إلى الذعر الذي حاول البعض جرّه إلى دهاليزه، فتعامل مع إستئناف المصارف أعمالها بمسؤولية كبرى، تفاوتت بين مواطن وآخر، إلاّ أنها كانت في المستوى المطلوب عموماً.

وتبقى العبرة في أنّ شعبنا أثبت جدارته بهذا الوطن العريق الذي وصفه الكتاب المقدّس (العهد القديم) بأنه «وقف الله»، وقد ذكر اسمه فيه 73 مرة.