منيف موسى

Views: 610

سهيل مطر

“كم من الصعب أن تكون امرأة”

عبارة لشاعر صيني

وقد توّج بها الدكتور منيف موسى إحدى قصائده.

أيها الأصدقاء

وصلتني أمس، رسالة، مكتوبة، بعسل العينين وماء الورد.

فوجئت، فتحت الرسالة، فوجئت أكثر حين قرأت أنها موجهة إلى الدكتور منيف موسى، موقعة: حبيبتك، أميرتك، أسطورتك، جنّيتك، حوريّتك، سحرك، ملاكك، دهشتك، فراشتك… شاعرتك.

شعرت بالغيرة: توقّعت أن تكون الرسالة موجّهة لي. ولكنني محروم ومحرّم عليّ. وزد: من أين لي شعر منيف القادر على ابتكار امرأة من جمال وحلم وضوء، او على اجتذاب امرأة أخرى من لحم ودم؟

ولكن، من وظفني ساعي بريد عند هذه المرأة؟

لا أدري. ربما، بسبب العلاقات المميزة-رجعنا-التي تجمعني بأخي منيف، أو لوحدة المسارين-كمان رجعنا.

بوركت لك، حبيبتك، يا أخي منيف، ولكن هل تسمح لي بقراءة الرسالة، في هذه العشيّة؟

د. منيف موسى

 

لست وقحًا… ولن أقرأها بكل مقاطعها وسطورها وأسرارها، ولن أحدث فضائح، ولكن، أعذرني، فأنا مكلّف، بنقل هذه الرسالة. فاغفر ثرثرتي والنميمة:

تبدأ الرسالة:

حبيبي منيف

وصلتني مزاميرك الاثنان والخمسون

فوجئت بنفسي، فوجئت بجسدي، ولم أفاجأ بك.

في الصفحة الأولى، أي في الإهداء، قلت: إليها…

فشكرًا لك: مجد كلمتك أُعطي لي.

وأصبحت أنا “قصيدتك المستحيلة”. لماذا المستحيلة، يا منيف؟ أنا أعرف كم أنت ثريّ في الحبّ، وكم أنت سخيّ…

تخطيتَ كل الحدود المحسوسة، ومن الجسد إلى التجسّد انتقلت بي، تحوّل السرير إلى كاتدرائية، كم ذكّرتني بمعلمك سعيد عقل، عندما قال:

لوقعُكِ فوق السرير مهيبٌ    كوقع الهنيهة في المُطلق

تحوّلت الآهات المحمومة إلى مزامير وأناشيد، أسكنتني حديقة الله، أبدعتني قدّاسًا وصلاة ونهار أحد، ونسيتَ أني امرأة، امرأة كانت نائمة في غابة نعاس وسكون، ولا وجع، أيقظتها أنت بقبلة ولا أطيب. ثمّ…

نعم يا منيف، الحياة لاثنين، لا مكان للمفرد فيها. لماذا وحّدتني بك إلى حدّ الامّحاء والتصوّف؟ نحن روحان حللنا جسدًا… لماذا؟ دعنا نكن جسدين في روح واحدة.

لماذا ألغيتني أو الغيت نفسك بي… “أُقبّل عطرك؟”… تقول… لماذا؟

إلى أي غيمة تنتمي شفتاك، يا سيدي؟ وهذا الجسد الذي غادر مرفأ الانتظار، ألا يستحق؟

تقول: “أخاف أن يمضي الزمان”.

وأنا أيضًا، يا أستاذي، أخاف أن يمضي الزمان. كبرنا، يا رجل.

أوجع عمليّة اغتيال، بأسلوب طفولي بريء، يمارسها الزمان علينا، فماذا ننتظر؟

تقول: “هوذا حصاني، يا حبيبتي، يصهل أمام دارك، امتطي حصاني، يا حبيبتي، وتعالي”. إلى أين؟ لماذا لا تخترق بحصانك حصون حياتي؟ لماذا؟

عشرات المرات، يا منيف، في مزاميرك، تحدثت عن الطيف، عن الأطياف، عن الحلم والأحلام، عن الأساطير والسحر، عن الآلهة والجنيّات… لقد ابتدعت لك عالمًا خاصًا ومنيفًا، نصفه امرأة، ونصفه الثاني حلم، كما قال طاغور، حتى أصبح جبّك لي، حكاية عن الحب، كما قال المطران خضر، ولكن، إعلم، أنت وصديقيك، طاغور وخضر، أنني امرأة وأن لي جسدًا، وأنني أحيا على خط تماس متوهّجة بين شهقة النشوة وشهقة الشعر، بين لعنة الجسد ونعمة الروح. اللهمّ، أبعد عنّي هذه الكأس. من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمني بحجر…

ثمّ أنا أحبّك، أحبّك، أحبّك…

لن أتابع قراءة الرسالة، بعض سطورها امّحت، شاهدت أثر دموع عليها، وبقايا كحل خجول. لملمت الكلمات والأوراق وخبّأتها في ذاكرة النسيان، وعدت إلى الكتاب، إلى مزامير الورد، أقرأ منيفًا، استمع إلى موسيقى الحب والبراءة، أشاهد رجلا يجسّد النبل والكبرياء، على بعض السكر والجنون، أصغي إلى شاعر تصفّت فيه الكلمات إلى حدّ: في البدء كان الكلمة…

أخي منيف

يا إمام الحبّ، يا مولانا

أيها العاشق الملك

أيها الثريّ السخيّ

كثُر عليك العشق، وزّع علينا، نحن المحرومين، أعطنا حبّاً، كفاف يومنا، ودعنا نتعاون، فكّ عقدنا الصعبة، وامسح من قلوبنا النشاف واليباس، واجعل خريف العمر حدائق ورد، وتعال نغنّ:

إن عشقنا، فاعذرونا     إنّ في وجهنا نظر

ويا أيها الأصدقاء

وأنتم تخرجون من هذه القاعة، أرجوكم بعض الصفاء والسكون، فإذا شاهدتم رجلا يستوطنه وجع صامت، يمشي بتواضع الغرباء، ينظر ولا يرى، يتأمّل في البعيد، دعوه في سكره، لا تزعجوه، ربما كان هو، منيف موسى، في قصيدة جديدة.

ومن المية ومية إلى ميّة كتاب وكتاب.

***

(*) بمناسبة صدور كتاب “مزامير الورد”، جامعة الشرق الأوسط- السبتيّه 19/ 11/ 2009.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *