“ناي”… كأنها أنا!

Views: 1088

سمر الخوري

قرأت رواية ناي للأديب حسام فوزي سعيد، فخامرني شعوران: التعب والعتب. وكان السؤال القدبم الجديد: أأقتل الناطور أم آكل العنب؟ وقلت في نفسي: من تكون ناي، بطلة الرواية؟ وما علاقتها بالكاتب سعيد؟

بين العمل الروائي والحياة خيط جنون غريب اسمه الواقع الروائي. هذا الخيط اخترقه الروائي وأعلن ذاته الضمير المستتر، في أرجاء الرواية.

نبدأ من العنوان: ناي. والناي آلة موسيقية نفخية تستعمل في التخت الشرقي. ومن ميزاتها الفتحات الجانبية التي تعطي ألحانا متنوعة حين تقفل بالأنامل.

أما ناي البطلة فهو امرأة شرقية تائهة اللحن والصدى، بين حبيبين أحدهما خذلها والآخر خذلته، وأغلقت فتحات القصبة/ القلب ليتحول اللحن إلى نغم حزين يبحث عن صداه بلا جدوى.

لحن ناي الرواية الحب وصداه الكبرياء. وبين الحب والكبرياء ثنائية العشق والأخلاق.

لناي الرواية فتحات تمثل نماذج متعددة من النساء:

ناي التائهة بين القلب والعقل، أو بين طموح يتجاوز النسبي إلى المطلق، في عالم غير مغلق حده القلق والنسيان. فتيات الفايسبوك في عالمهن الافتراضي. وقد اخترقته ناي في مرحلة معينة بحثا عن واقع مغاير استطاع الحبيب بإلحاحه كشف غموضه.

أما النموذج الثالث فهو نريمان. وهي الفتاة المغامرة المغناج التي اخترق جسدها مجد، وبنى أمجاده على هزيمتها الأخلاقية.

والنموذج الرابع هو ميسم التي ضعفت بسبب الحاجة أمام إغراءات المال. ولكنها لم تفقد ضميرها إذ فضلت السجن على ظلم الأبرياء.

والنساء الأربع المؤثرات في. أحداث القصة رموز للعناصر الأربعة: ناي هي العنصر الترابي. والتراب أرض خصبة يتنازعها البشر، ويتقاتلون في سبيلها.

أما فتيات الفايسبوك فهن العنصر الهوائي الذي من دونه تنقطع الحياة. والهواء عنصر فضائي يملأ كل فراغ. وناي قد ملأت فراغ محبيها، في عالم افتراضئ دخلته على سبيل الفضول.

أما الماء فهو في شخصية ميسم. وهو الماء المشبع بالسم. بيد أن الماء كان المنتصر الأخير، فأصبح بلسما لا سما، حين اعترفت ميسم بخدعة مجد ومؤامرته.

أما العنصر الرابع فهو  نريمان. واسمها واضح ومشتق من النيران والإ دمان.

وانتهت الرواية بانتصار العناصر كلها خصوصا عنصر التراب القاسم المشترك بين هذه العناصر تفاعلها المتراوح في سبيل الحياة.

أما الرجل فهو يشكل المراوحة والتضاد بين الأسماء تيم أي الموضوع. وتيم، بطل الرواية عانى ثنائية النصر والهزيمة، قبل تحقيق أالانتصار، بفضل النساء .

ومجد كما يتضح من اسمه يسيطر عليه النصر والاعتداد الفارغ بالنفس قبل الانهيار الأخير. وكذلك الأمر مع فواز  وتوفيق…

ولكن الشخصية الأبرز في رواية ناي هي شخصية البطل الخارق ا”superman العالم بكل شيء، ثقافيا وفلسفيا ودينيا. رجل يعشڨ ذاته في نرجسية مسيطرة.

ولكن عشق الذات قابل للتدمير بسبب صراع المريخ والزهرة.

المرأة في رواية ناي هي المحور، شمس يدور حولها الأقمار الرجال.  هي امرأة تجمع في صفاتها الحيرة والاغتراب والتوق إلى الرجل. قوتها في ضعفها، وضعفها في صراحتها التي تبعدها عن الخبث والرياء. شخصيتها شفافة إلى درجة الاعتراف وذلك لأنها تحب. فهذه ناي تقول لتيم: لو سألتني إن كنت ناي لما أنكرت. وحين سألها من تكون تحت طائلة حظرها طلبت مقابلته شخصيا.

أما رجل الرواية فهو معتد بنفسه، مكابر، أو بالأحرى نرجسي السمات. ويلتقي في هذه السمات مجد  المغرور، وتيم الغيور. والغرور والغيرة وجهان لعملة واحدة هي عدم الثقة بالذات.

صديقي الروائي حسام فوزي سعيد، ناي روايتك لحن آت من ألف ليلة وليلة. إنه صوت شهرزاد في مواجهة شهريار. صورة العنق التي تواجه السيف . صمتها سلاح تحارب به محاولات احتوائها واعتبارها مجرد جسد. وحين ترتدي القناع تزداد جرأتها وتحمل راية الثورة دفاعا عن أنوثتها المهدورة الحقوق.

أيها الشهرزاد السعيد، لقد جمعت في اسمك السيف والنصر والسعادة. وقدت أبطال قصتك  علانية إلى إعلان آرائك مباشرة، في الحب والسياسة والدين. وهو سلاح ذو حدين كمن يضع السم في الدسم.

ختاما أقول: مغفورة لك خطاياك لأنك أحببت الإنسان قبل كل حب، وجعلته عبر الصدق الأسمى قيثارة لحنها الصدق والخلود.

وتسألني رأيي في الرواية؟ لعلها قصتي تنبأت بها قبل أن نتعارف. ناي وميسم وندى ونريمان رموز للمرأة العربية الشرقية في مواجهة عنجهية الرجل وشرقيته ونرجسيته. وخير ما عملته في روايتك أنك أخرجت المارد الأنثوي من قمقم الذكورة المرصود، ومنحته إكسير الحياة، وهدمت أسوار الصمت واليأس وقهر الإنسان.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *