عسل وقرد وحمار

Views: 438

جوزف أبي ضاهر

في كتب الحيوان حكايا كثيرة نَسَجها العقل الواعي بخيوط الخيال، ولوّنها بما استطاع امتلاكه من بريقٍ للعبور من دون حواجز إلى ضفة الوعي النقدي، عبر رموزٍ وحكمٍ، ما تركت في الحياة أمرًا إلا وأغنته معرفةً.

قرأت في إحداها عن مالك مزرعة شاسعة، أعطته أرضه وافر خير تكدّس فوق بيدره: أكوام قمح وعدسٍ وشعيرٍ وعنبٍ وتفاح… وكلّ ما تشتهيه النفس من مؤَنٍ صنع بها كشكًا وعسلاً ودبسًا ووافر ما جادت به الماعز والأبقار والدواجن.

في قسم آخر، تقول الحكاية، أن مالك الأرض خصّص مبيتًا لحيواناته: الخيول والحمير والدواجن وزوجًا من القردة كان يرتاح لحركاتهما وتصرفاتهما… إلى أن جاء يوم الغضب الكبير، حين اكتشف فقدان كميات كبيرة من الدبس والعسل التهمها القرد، وليخفي فعلته مسح فم الحمار «الصابر» من خارجٍ ببعض الدبس والعسل، حتّى إذا رآه المالك «الكان سعيدًا»، أمر بضرب الحمار وطرده خارج مزرعته وحرمانه عيشًا ساهم، بشكل كبير، في صنعه بتعبه وكدّه وطاعته… لم يقم بمثله أي حيوان في المزرعة.

حدث ذلك والقرد وزوجه يضحكان على «حمارٍ» نُسبت إليه شعوب كثيرة، ضحّت وكدّت وتعبت وتحمّلت الظلم، وحملت على ظهرها صاحب المزرعة، وجميع أهل بيته والخلاّن والأصحاب والأزلام… وقطف القردة، جميع القردة على اختلاف أشكالها، مواسم العسل والدبس… واكتنزت «المؤن» في دخل المزرعة، وفي خارجها، في البعيد البعيد… «فعين لا ترى، قلب لا يوجع»… ولكنّنا انوجعنا كثيرًا انوجعنا: لن نترك القردة يسرقوننا ويرقصون فوق أجسادنا… لن نكون من «الصابرين».

Email:[email protected]

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *