من رسالاتنا الدعوة إلى السلام 

Views: 357

الأب كميل مبارك

في مطلع كل عام وبمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي هو رأس السنة بالذات، يوجّه قداسة الحبر الأعظم رسالة إلى أبنائه المؤمنين وإلى أهل الأرض قاطبة، يدعو الجميع فيها إلى العمل من أجل السلام لأنه وجهٌ من وجوه السعادة على الأرض.

تنطلق الكنيسة في حديثها عن السلام من كلام السيد المسيح الذي يقول: السلام أَستودعكم، سلامي خاصَّة أُعطيكم، ليس كما يعطي العالم أُعطيكم أَنا. فسلام المسيح يأتي عبر المصالحة التي أَرساها بالتجسُّد والفداء. فصالحنا مع أَبيه ومع بعضنا البعض ومع أَنفسنا ومع الطبيعة. ومن يعيش هذه المصالحة لا بدَّ له من أَن يفعل السلام وينعم به. وهو حين علَّمنا أَن نصلِّي قائلين: إغفر لنا كما نحن نغفر لمن خطئ وأَساء إلينا، إنَّما ربط السلام بيننا وبين الآخرين بالغفران وليس بالقوَّة أَو السلاح أَو توازن الرعب، وبهذا السلام نعبر إلى الملكوت لمعاينة وجه الله. أَليس هذا ما تعنيه عظة المسيح على الجبل حين قال: طوبى لفاعلي السلام فإنَّهم أَبناء الله يدعون.

ترى الكنيسة أَنَّ السلام قيمة عالميَّة وواجب إنساني له جذور منغمسة في القانون الطبيعي للعقل البشري والمبادئ الأَخلاقيَّة للمجتمع، وكلُّ هذه تعود إلى الله بالذات، مبدأ كلِّ الكائنات وغاية الإنسان القصوى، فهو الحقُّ المطلق والخير الأَسمى. والسلام ليس انتفاءَ الحرب فحسب، كما أَنَّه ليس توازنًا بين القوى المتخاصمة، بل هو بنيان النظام المجتمعي العالمي على أُسس العدالة والمحبَّة، انطلاقًا من مفهوم صحيح للشخص البشري. وحين نقول إنَّ السلام ثمرة العدالة بمفهومها الواسع، نعني احترام التوازن والتناغم بين جميع أَبعاد الشخص البشري. فالإنسان يهدِّد السلام في كلِّ مرَّة يرى أَنَّ ما يحقُّ له يُؤخذ منه، وحين تُمتهن كرامته وحين يتنافى التعايش مع الخير العام. من هنا ضرورة احترام جميع حقوق الإنسان ضمن حدود الشرع الإلهي والطبيعة البشريَّة وخير المجتمع البشري العام.

وكما أَنَّ السلام ثمرة العدل هو كذلك ثمرة المحبَّة التي، متى قست العدالة، تأتي لتعوِّض عن هذه القساوة. فالعدالة تمهِّد الطريق وتزيل العوائق أَمام السلام الذي هو وليد المحبَّة، لأَنَّ المصالحة والغفران مرتبطان بالمحبَّة أَكثر من ارتباطهما بالعدالة، لذلك قال البابا بولس السادس: إنَّ السلام يُبْنى يومًا بعد يوم وذلك عبر تحقيق مشيئَة الله، ولا يمكنه أَن يكتمل إلاَّ إذا التزم كلُّ واحد من الناس بمسؤوليَّاته تجاهه، وذلك حين يعيش كلُّ فرد في المجتمع، السلام الحقيقي مع ذاته أَوَّلًا، وفي عائلته وحيث يمارس نشاطه في المجتمع، وهكذا يصل الالتزام إلى المجتمع السياسي بكامله، فتُبنى بين أَوساط المجتمع البشري ثقافة السلام المتأَصِّلة في طبعهم منذ كانوا، وتنمو بينهم الدعوة إلى سلام حقيقي وكامل، وهذا لا يمكن أَن يكون إلاَّ بالتضامن الواسع بين أَفراد المجتمع البشري وبين المؤَسَّسات التي تدبِّر شؤون هذا المجتمع. وإذا ما تمَّ التضامن عرف الجميع أَنَّ العنف لا يؤَدِّي إلى السلام، لأَنَّ العنف شرٌّ بذاته، وما هو شرٌّ لا يأتي بالسلام ولا يليق بكرامة الإنسان. فالعنف بالنسبة إلى المؤمن المسيحي ينبع من الكذب الذي هو أَصل الشرور، لأَنَّه يتنافى مع حقيقة إيماننا بإله السلام والمحبَّة الذي بموته وقيامته رفع العداوة من بين البشر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *