سعيد فريحة “امبراطور الصحافة اللبنانية”

Views: 2376

ريما زيدان

الحديث عن دار الصياد يقود تلقائياً الى الحديث عن صاحبها ومؤسسها سعيد أمين فريحة.

ولد في بيروت العام 1912، وانتقل باكراً الى حماة مسقط رأس والدته مريم، بسبب انتشار المجاعة، حملت الأم أولادها وانطلقت سيراً من برج حمود وعند وصول الموكب الى تل كلخ، تصدى له أحد الرعيان بدافع السرقة، فتصدت له الوالدة فغرس خنجره في كتفها وانتهى المشوار بوفاتها.

هكذا فقد سعيد فريحة والدته وشقيقه الأصغر ووجد نفسه مسؤولاً عن اعالة نفسه وشقيقتيه الطفلتين وهو ما زال في العاشرة من عمره، وكان يومها اميا، كما تقول بطاقة الهوية الخاصة به، إلا انه لحق الحرف، وكتب منذ ان كان فتى وأصبح محرراً في صحيفتي “الراصد”و”التقدم” في حلب حيث تنبأ له شيخ الصحافة شكري كنيدربالنجاح.

من حلب، راسل سعيد فريحة “القبس” الدمشقية وصحيفة “الأحرار” البيروتية، ثم عاد الى مسقط رأسه موزعاً نشاطه على “الأحرار” و “الحديث” و “الصحافي التائه”، و أسس بعدها مجلة “الصياد” في العام 1943 ، ومع بزوغ فجر الاستقلال صدر العدد الأول من المجلة في كانون الأول (ديسمبر) واحتل الغلاف رسم كاريكاتوري بريشة الرسام خليل ظهر فيه رئيس الوزراء السوري سعدالله الجابري ماشيا الى جانب نظيره اللبناني رياض الصلح و هو يقول “بلاقيك سبقتني ، على مهلك شوي”.

اتخذ مؤسس “الصياد” مكتباً له في غرفة صغيرة في بناية “الصمدي” الى جوار مكاتب جريدة “الحديث” وظل هذا المكتب تابعاً للمجلة حتى بعد تأسيس “دار الصياد” في الحازمية.

في بداياتها كانت “الصياد” مؤلفة من 24 صفحة تم توسع العدد إلى 32 صفحة، وقد انتقلت طباعتها الى “دار الهلال” في القاهرة في 6 تموز سنة 1948 مع بقاء مركز التحرير في بيروت، وذلك لضرورات فنية.

تميزت ” الصياد ” بلغتها كما تميزت بطباعتها، وكان أبرز نجومها رسام الكاريكاتور خليل الذي ابتدع شخصية العم أبو خليل، رمز الشعب اللبناني.

كانت انطلاقتها لبنانية عروبية في عهد السيادة والعزة والاستقلال. شقت المجلة طريقها بقوة، ووجه صاحبها انتقادات لاذعة الى أسرة الرئيس بشارة الخوري في الفترة الممتدة من 1946 الى1947، فهاجم شقيق لرئيس الملقب ” بالسلطان” والأسرة الحاكمة بقسوة وتهور، فصدرت مذكرة باعتقاله، ودخل السجن،وظهرت صوره في الصحافة وراء القضبان.

تحول سعيد فريحة الى نجم من نجوم الصحافة، وشيد دار الصياد عام 1954 في الحازمية وجهزها بمطبعة كاملة تعمل بسرعة 3500 نسخة في الساعة، وصدرت المجلة بستين صفحة.

انتهت الدار أو قل أجمل وأحدث دار للصحافة في الشرق، وربما في الغرب. حوت مجلة “الصياد”، طويلاً، باباً اجتماعياً فنياً حمل عنوان “شبكة الصياد”، وفي العام 1956 استقل هذا الباب، وبات مجلة باسم “الشبكة”، صدر العدد الأول منها في 30 كانون الثاني، وزينت غلافها الأول صورة لسيدة الشاشة العربية “فاتن حمامة”.

بعد ” الشبكة” أصدر سعيد فريحة صحيفة “الأنوار” اليومية في 25 آب/أغسطس في العام 1959 وترأس تحريرها، في حين شغل منصب مدير التحرير هشام أبو ظهر.

نجحت “الشبكة” كما نجحت ” الأنوار” بسرعة الصاروخ وحقق مؤسسها شهرة واسعة في عالم الصحافة اللبنانية والعربية.

على هامش العمل الصحافي، أنشأ سعيد فريحة فرقة الأنوار في العام 1960، وسعى الى أن يجعل منها فرقة تحمل لواء الفن الشعبي اللبناني. وأعلن في العام 1973 عن ولادة مؤسسة سعيد فريحة للخدمات العلمية والاجتماعية، وهدفت هذه المؤسسة بالدرجة الأولى الى تقديم المساعدات المالية للعاملين في حقل الصحافة، كما عمدت الى تقديم “الجوائز والمنح لأهم إنتاج أو بحث أو دراسة أو نشاط يخدم المصلحة العامة”. وفي العام 1973 باشر سعيد فريحة تشييد مبنى جديد للدار وفق أحدث الأسس العصرية، وفي ذروة هذا النجاح اشتعلت الحرب الأهلية في لبنان وباتت “دار الصياد” في قلب العاصفة بسبب موقعها الجغرافي، وتعرضت مكاتبها في الحازمية لإصابات متعددة من كل الجبهات المتقاتلة، حاول سعيد فريحة أن يتجاوز هذه المحنة بصعوبة، ولكن المفاجأة كانت عندما كان سعيد فريحة متواجداً في دمشق يلاحق أحدث المستجدات الصحافية والسياسية، حين أصيب بذبحة قلبية نقل على أثرها الى مستشفى المؤاساة حيث فارق الحياة في المساء وكان ذلك في 11 آذار/ مارس 1978 عن عمر يناهز الـ 66 عاماً.

إن سيرة سعيد فريحة هي سيرة فتى لم يرث من الحضارة شيئاً، جاء من أميته الى تثقف عاند به القدر ليحتل مكانة كبيرة في صحافة العرب. ولما نحت الحرف بين أصابعه فصيحاً مبيناً، متيناً كمتن جبل لبنان، سهلاً كسهول سوريا، أعطى لكل المشرق ما أعطى، أعطى أولاً بعضاً من دمه، لما سجنه الأجانب فيما كان يناضل مع أحرار الشام، فيما كان قلبه راسخاً على هذا الجبل في حس مشرقي عميق على مدى الأفق واللبنانية تنمو في رحابتها وانفتاحها وحبها.

فقدت “دار الصياد” روحها مع رحيل مؤسسها كاتب الثورة والاستقلال، وها هي اليوم تقفل أبوابها في زمن كثر الحديث فيه عن نهاية الصحافة في لبنان.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *