أنت الهدف

Views: 409

محمد إقبال حرب

لم يعد مهمًا من تكون… بل من أنت.

لم يعد وجودك مهمًا لصاحب الأمر أو من ينوب عنه في رعاية مزارع الوطن، فما أنت إلا سلعة قد تنفق في أي وقت دونما حَـزَن عليها، فثمنها مقبوض …مقبوض.

مهما تواريت وأينما اختبأت فأنت الهدف… نعم أنت الهدف؟

هدف لكل من حمل سلاحًا، ولكل من انتمى إلى فصيل أو مجموعة ولكل قناص ونخّاس. لكل مسؤول يريد جاها أو ضحية، لكل من تسوّل له نفسه أن يفكر بكرسي من كراسي السلطة. كل الكراسي بمناصبها، وكل الخيانات والمؤامرات لا بد أن تمر عبر جسدك، فأنت الهدف الذي عليه أن يراوغ في خضم الحياة باحثًا عن الفتات كي يسد رمق الحياة فيما هو يركض ويركض هاربًا من شيء ما… من خوف دائم… ورعب لا ينته في عمر نحس مستمر.

أنت الهدف حتى يصيبك القناص… بالتفجير أو الغاز أو الرصاص.

أنت الهدف حتى تسقط، ومتى سقطت لن يضعك أحد في جعبته لأنك نجس أيها المواطن الشريف… فطهارتك نجاستهم. سيتركون جسدك في غابة الوطن ينزف نجيعه حتى آخر قطرة، بل حتى يتعرف عليك الذباب الأزرق فيهدي عليك الكلاب الضالة كي تتخلص من وبائك. ولو كنت محظوظًا في مقتلك سيتم دفنك في مدافن جماعية لتواسيك أجداث أبناء وطنك المبادة.

لا، لم أخبرك هذا كي تحزن. سيكتبون اسمك في سجلات الشهداء وسيتسولون باسمك من هذا وذاك، سيقدمون صورة أشلائك دليلًا على حاجتهم المادية ويبتزون دولًا أخرى حتى لا يجزوا رقاب من بقي حيًا في مزرعة الوطن. سينعمون على ورثتك بخيمة شريدة خلف حدود الوطن. لقد تخلصوا منك قبلًا واليوم سيتخلصون من ذريتك بإنسانية لا يحسدهم عليها أرنب طريد.

أيها المواطن تبًا لك. من أعطاك هذا الاسم، بل كيف قبلته؟

أليست كلمة مواطن مصدرها وطن. وأنت يا مسكين ما حظيت بوطن عبر تجربتك على أرض استعبادك. نعم أيها الشريد متى احتضنك الوطن وأحبك كما أنت؟ متى لم يسألك صاحب الأمر عن دينك وطائفتك، وعشيرتك وسجل نفوسك قبل أن يرضى بمثولك أماهم شاكيًا باكيًا. لن يُستجاب لشكواك حتى تقدم ألوان الطاعة والمغفرة، بل حتى تُـقسم بأن تكره الطوائف والأديان الأخرى وأن تكون طوع بنانه. وأن تكره ما يكره ولا تحب ما يحب حتى يأذن لك بالسجود له.

أيها الشريد الراحل… أيها الشهيد من قتلك؟

نحن قتلناك …أنا وهو وهي. المواطن الآخر، الذي هو نحن. قتلناك بجهلنا يوم أصبحنا عبيد الحقد والطائفية. يوم تشرّبنا سموم الكراهية والعصبية الجاهلية بنهم لم يسبق له مثيل فتركنا الوحش بداخلنا ينهش جسد الوطن والمواطن الآخر دون اكتراث.

نعم أيها المواطن لو لم تكن بذرة الكراهية أصيلة فينا لما تعلمناها ومارسناها كي نتخلص منك. قتلناك بجهلنا وغدرنا بك دون أن نحفل برقابنا التي ستجز كذبائح الأنعام، دون تكبير أو تدبير.

أيها الشريد… هنيئا لك لأنك غادرتنا قتيلًا… هنيئا لك لأنك تخلصت من الكراهية التي تعصف بك كل يوم… هنيئا لأنك خامد في حفرتك إلى أمد طويل.

رحماك أيها المواطن، بل استميحك عذرًا أن تخبرنا من حيث أنت إن استطعت “أما زالت السماء تصنفنا بشرا؟”

***

 

(*) اللوحة للفنان العراقي المبدع سيروان باران

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *