قصارجي بقداس الفصح: دعاؤنا يطال المسؤولين حتى يلقي الله في ضمائرهم ما يعود على الشعوب بالسلام والوئام

Views: 695

احتفل راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي بقداس الفصح المجيد، في كاتدرائية الملاك رافائيل في بعبدا- برازيليا، عاونه فيه النائب الاسقفي العام المونسنيور رفائيل طرابلسي والاب يوسف خالد والشماس جوزف ايشو.

العظة

والقى قصارجي عظة بعنوان “لا تخف، أنا الأول والآخر، أنا الحي! كنت ميتا وها أنا حي الى أبد الدهور!” (رؤيا يوحنا 1/18)، وقال: “أيها الإخوة والأخوات المباركون، أفتتح رسالتي الفصحية لهذا العام، بما يوضع على لسان الرب يسوع في الفصل الأول من سفر الرؤيا؛ لا لأننا نعيش احداثا رؤيوية بمعنى أنها حافلة بالكوارث والنوائب، بل لأن سفر الرؤيا هو كتاب الرجاء قبل كل شيء ولا يحمل على القلق وتحقيق وعيد الله كما يحلو للبعض أن يفسروه، ولئن احتوت فصوله ايضا على ابعاد اخرى يتحقق فيها العدل الإلهي الذي يطال المسكونة كلها. سفر الرؤيا ينسكب فيه العهد القديم وتتجلى على صفحاته مشاهد كشوفات الله الكبرى التي واكبت الشعب المنتظر الفداء بدءا بسفر التكوين ومرورا بكشف النقاب عن هوية الرب لموسى كليم الله في كتاب الخروج الى أن تتضح الرؤيا في إنجيل يوحنا حيث تنجلي أمام أعيننا حقيقة إلهنا الثالوث والله الثابت غير المتحرك بالرغم من تقلبات الإنسان وعدم أمانته، يقول لنا بلسان الابن الوحيد إنه هو هو ” بالأمس واليوم والى منتهى الدهور”، (عب 2/13)، حي هو”، كان ميتا وها هو حي الى مدى الدهر” (رؤيا 1/8)”.

أضاف: “اقول هذا لأذكركم أن الله ثابت لا يتحرك ولا يتحول، هو إله المحبة كما يحلو للرسول الحبيب يوحنا أن يقول. لا بل هو المحبة المتجسدة “الله محبة” (يوحنا 4/8) محبة الله لنا، التي واكبت البشرية منذ ما قبل الخلق الى يومنا هذا، إنما هي محبة لا تعرف الميوعة محبة ثابتة لا تتزعزع. محبة الله لنا هي محبة ازلية! الكتاب يقول “إن لم تتوبوا، فجميعكم تهلكون” (لوقا 13/5) وهل تقبل محبة الله ان ترى الإنسان حاكما على ذاته بالهلاك، دون ان تحرك ساكنا؟ بالطبع لا! أويقبل الأب رؤية اولاده يحكمون على ذواتهم بالموت، ويبقى مكتوف اليدين؟! “يا بني، لا تحتقر تأديبات الرب. فإن الذي يحبه الرب يؤدبه، فإن كنتم تصبرون على التأديب فإن الله يعاملكم كالأبناء. وأي ابن لا يؤدبه أبوه؟ (عب 12/7) قد كان آباءاجسادنا يؤدبوننا لأيام قليلة وعلى هواهم. أما الله فيؤدبنا حتى نشترك في قداسته!” (عبرانيين 12/1-10)”.

وتابع: “الأوبئة والطوفانات والكوارث البيئية ليست عمل الله طبعا، بل ردة فعل الطبيعة التي خاصمها الإنسان بعد السقوط فانقلبت عليه حينما خرج عن صداقة الله في الفردوس وامسى مضطرا ان يقتل الحيوان ليغتذي، ثم قتل أخاه هابيل كما تعلمون؛ فقال الله له إن الأرض باتت ملعونة بسببك ايها الإنسان (تكوين 3/17) فاحتمل بالتالي ردات فعل البيئة وانتقامها منك! يسمح الله بهذه الضربات كما سمح بها في غير حقبة من تاريخ البشرية وكما أذن للشيطان أيضا ان ينزلها بأيوب الصديق ليمتحن صدق إيمانه وإخلاصه، ولا زال يسمح بها عند استفحال الشر وازياد الإثم في الخافقين! تصوروا ان المحكمة العليا في الولايات المتحدة الاميركية اصدرت حكما تناقلته وسائل الإعلام منذ اوان غير طويل، يجيز زواج شقيقين هما “جيمس” وأخته “أنييس”، بعد معركة قضائية دامت عشر سنوات، وقد عبر الشقيقان- الزوجان عن سعادتهما بصدور الحكم المذكور وقالا إنهما فعلا ذلك من أجل ملايين الاميركيين الذين يمارسون هكذا علاقات تعتبرها المجتمعات غير شرعية، وهم يعيشونها سرا خوفا من الملاحقة القانونية. كيف تريدون ان يبقى الله صامتا أمام تقهقر الكرامة الإنسانية التي ابدعها على صورته ومثاله الى هذا الدرك؟ كيف تريدون ان يبقى الله صامتا امام صرف مليارات الدولارات على تطوير الأسلحة وصناعة الموت، فيما القارة السوداء تموت جوعا ويتشرد ملايين البشر من اوطانهم هائمين في اصقاع الأرض طلبا للمأوى والأمان؟”.

وأردف: “هذه الجرثومة الصغيرة جعلت الإنسان يعود ربما الى رشده والى ربه والى أخيه. يقول القديس كبريانس القرطاجي (358+) في عظة له فاه بها عندما غزى زمانه وباء مماثل: “لا ينبغي ايها الإخوة الأحباء ان نتذمر في المحنة، بل يجب أن نحتمل بصبر وشجاعة كل ما يحدث لأنه مكتوب: الذبيحة لله روح منسحق، القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله (المزمور 50)، حيث إن الروح القدس يحذر ايضا في سفر التثنية قائلا: يذلك الرب الهك ويأتي عليك بالجوع لكي يعرف ما في قلبك إن كنت تحفظ وصاياه أم لا (تثنية 8/2)”.

وقال: “في بداية الصوم، كان النساك والرهبان القدماء يتركون أديرتهم وصوامعهم ليقضوا فترة الإمساك في الصحاري والبراري، لأن الصوم والصدقة والصلاة دون اختلاء المرء بنفسه ليحاسبها، لا قيمة لها البتة. نعم، لقد أبطأ الله عجلة أيامنا وأعادنا الى صمت نحن في أمس الحاجة اليه لنعيد قراءة حياتنا على ضوء كلمة الرب وعلاقتنا بالقريب، عسانا نكتشف هشاشتنا وندرك عدميتنا، فنصحو من سباتنا! تذكروا أن بولس الرسول، حينما بلغ روما، حكم عليه بالإقامة الجبرية في منزل لمدة سنتين ووضع تحت الحراسة المركزة: “وأما بولس فأذن له أن يقيم في بيت استأجره لنفسه وحده مع الجندي الذي كان يحرسه” (اع 28/16 و 30). وقد امضى هذه الفترة في جو من الخلوة والرياضة الروحية وانتج خلالها اربع رسائل لأهل أفسس وفيليبي وكولوسي مع رسالة الى فلمون. عسى ان تكون رغبة الله بأن ندخل جو رياضة روحية، على خطى الآباء القديسين والنساك عبر العصور قد أعادت المسكونة الغارقة في ظلام الموت الى صوابها. عسى ان يكون الموت الذي دخلنا فيه رمزيا عبر شلل جميع المرافق وتوقف الحياة عن سيرها الطبيعي نهوضا من رمس الخطيئة الى حياة البرارة التي ترمم فينا أيقونة الله تلك التي شوهناها بكبريائنا وانانيتنا وحقدنا ولامبالاتنا.

وختم قصارجي: “صلاتنا نرفعها من أجل الكنيسة حتى يتلألأ فيها بإشراق وجه السيد من جديد، وضاء لامعا. دعاؤنا يطال المسؤولين المدنيين، حتى يلقي الله في ضمائرهم ما يعود على الشعوب بالسلام والوئام. رجاؤنا ان يشمل الله بعنايته المرضى من جراء هذا الداء الوبيل ويتعهد الطاقم الطبي والتمريضي ويهدي العلماء الى اكتشاف دواء ناجع ويريح نفوس الموتى الذين سقطوا بالألوف في الآونة الأخيرة ويمطر علينا جميعا بركات قيامته الثلاثية الأيام! المسيح قام، حقا قام”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *