يا طير الطاير قلو

Views: 132

د. جان توما

تجد في تلك الحديقة العامة Tuileries في باريس، وحول بركة مائها، عشرات المواطنين والسوّاح يفترشون الكراسي أو الأرض، فيما يتمتعون بالسكينة وجمال الطبيعة.

ما يلفت انتباهك عدد طيور اليمام الذي يتنزّه بين الناس بهدوء وثقة. تسأل نفسك: كم رأى هذا اليمام من بشر يجلسون هنا؟ وكم نوع من الخبز، المحلّي أو العالمي، من حقيبة السائح تناولَ ؟ هل اهتمت هذه الطيور بلون جلد الزائر؟ بدينه؟ بمذهبه؟ بفلسفته؟ بمكان ولادته؟ أم اكتفت بما قدّم لها من جيبه أو من جعبته؟

غريب أمر هذا اليمام. كيف لا يلتفت إلى هويّة هذا الإنسان المارّ؟ هل يحقّ له أن يقتسم مع هذا الغريب لقمة أو شيئًا من طعامه أو شرابه؟ ألعلّ اليمام يذهب إلى هذا العطاء المجّاني فلا يلتفت إلى الاختلاف بين جنس البشر وجنس الطيور؟

كيف يحلّق اليمام بجناحيه في حضرة إنسان ولا يخاف قنصًا أو قتلًا؟ وكيف قَبِلَ الإنسان أن يشاركه ضعيفٌ كسرة خبز ، لا بل يتنازل من برج كبريائه ليطعم من هو من أضعف مخلوقات الله؟.

في حدائق المدن وساحاتها تسقط الموانع بين المرء واليمام. ربّما لتشابه الأحرف ما بين “امرىء” و”يمام” ، فالاثنان من جماعة الأجنحة المتكسّرة من تكاليف الأيام، والاثنان يحملان عطر الأحلام في كسرة خبز وقطرة ماء تغني بالرضا عن وجع الزمان وتعب العمر.

هنا تجلس ساعات ولا تتعب من إطعام اليمام بيديك، تبهرك حركات هذه الطيور وسرعة التقاطها بمناقيرها حبّات الخبز المتناثرة. لكنك تشعر أنّ الكلّ هنا واحد رغم تنوّع المشارب، كما رغيف الخبز الواحد الذي صنعته حبّات الحنطة من مختلف شتات السهول، وخبزته نار شمس المشتهى في لهوها ما بين الجلول. (Ambien)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *