يا مائِعَ الزَّيت! 

Views: 523

مُوريس وَدِيع النَجَّار

 

(بُقْعَةُ مازُوتٍ في الطَّرِيقِ، وسَيَّارَةٌ تَمُرُّ، وتاعِسٌ يَتَزَحلَقُ ودُولابٌ يَمتَطِي رِجْلًا مَمدُودَةً، فَتُكْسَرُ عِظامُها… وتَكُونُ القَصِيدَةُ ثَأْرًا لِلرِّجْلِ المُضامَة)

 

يا مائِعَ الزَّيتِ… لَم تُشفِق على حالِي      زَحلَقتَنِي، وأَنا الزَّاهِي بِأَذيالِي

كَرَّت على جَسَدِي الواهِي بِكَلكَلِها          سُودُ الدَّوالِيبِ، فَاستَنجَدتُ بِالعالِي

يا رَبُّ ما لِي، أَنا المُختالُ في عُجُبٍ،      أَصِيرُ كَالشِّلْوِ مَطرُوحًا بِأَوحالِ!

هَبَّت إِلَيَّ، وَقَد قَضَّت مَطِيَّتُها            – مَطِيَّةُ العَصرِ – أَحلامِي وآمالِي

نَظَرتُ مِن أَسفَلٍ حَتَّى رَأَيتُ بِها            بَدْرًا تَلَألَأَ في مَجْدٍ وإِكمالِ

فَتَّانَةٌ، كَنَسِيمِ الصُّبحِ رِقَّتُها،                كَزَهرَةٍ أَرَجَت في مَهْمَهٍ خالِي

أَخَذتُ جانِبَها نَبغِي الوُصُولَ إِلى           المَشفَى القَرِيبِ لِأَرمِي فِيهِ أَثقالِي

ناجَيتُ نَفسِي بِأَن لَيتَ الطَّرِيقَ بِنا         تَضِيعُ، أَو يَنتَهِي في التِّيْهِ تَرحالِي

قالَت: سَلِمْتَ، وَلا آذَتْكَ مَركَبَةٌ          صَمَّاءُ، عَمياءُ، أَضنَت وَهْنَ أَوصالِ

تَهمِي العُذُوبَةُ مِنها إِذ تَحَدِّثُنِي،             تَرجُو إِزالَةَ أَوجاعِي وأَوجالِي

فِيها مِنَ الوَتَرِ الشَّاكِي رَخامَتُهُ،             وَمِن غَدِيرٍ يُغَنِّي شَجْوَ سَلسالِ

فَقُلتُ: أَفدِيكِ بِالغالِي. فَهَل شَطَطٌ           بَذْلُ النَّفِيسِ أَمامَ الباهِرِ الغالِي؟!

لَأَنتِ وَحْيِي إِذا جَفَّ اليَراعُ على           بِيْضِ الرِّقاعِ، فَمَلَّت طُولَ إِهمالِي

تَبرَا عِظامِي سَرِيعًا مِن تَحَطُّمِها           وَالوَحيُ يَبقَى يُغَذِّي سِحْرَ أَقوالِي

قالَت، وَفِي العَينِ إِشفاقٌ على رَجُلٍ        قَد ذَلَّلَ الحُسنُ فِيهِ كُلَّ إِجلالِ:

لا تَبتَغِ، أَيُّها الشَّيْخُ المُهَلْهِلُ، في        سَنا جَمالِي سِوَى الأَوهامِ مِن آلِ

مَرَّت عَلَيكَ سِنُونٌ، عِشْ ثُمالَتَها،          وَدَعْ خَيالَكَ يَجلُو الذِّكْرَ في البالِ

لَأَنتَ مِن زَمَنٍ وَلَّى، وَلَيسَ لَهُ             رُجْعَى إِلى عَهْدِ تَحْنانٍ وَإِدلالِ

فَما لَكَ الآنَ تُغوِينِي أَلَيسَ على           إِهابِكَ المُتَرَدِّي وَفْرُ أَسمالِ؟!

أَنا الَّتي بَسَطَ العُمرُ النَّدِيُّ على           نَضارَتِي وشَبابِي كُلَّ أَشكالِ

ما مَرَّ مَرَّ، وَلا عَوْدٌ، فَكُنْ حَذِرًا،           وَارْبَأْ بِنَفسِكَ قَفْزًا بَينَ أَجيالِ!

فَقُلتُ: إِنِّي، أَمامَ الحُسنِ، غِرُّ هَوًى،       فَلا تَقُولِي، إِذا جُنَّ الهَوَى، ما لِي

جَمالُكِ، اليَومَ، جانٍ، والشَّقِيُّ أَنا،          أَبِيتُ، بَعدَكِ، في غَمٍّ، أَنا السَّالِي

حَسبِي لِقاؤُكِ، يا حَسناءُ، يَدفَعُنِي          إِلى سَحابٍ أُغَنِّي فِيهِ “مَوَّالِي”

والحُسنُ أَكثَرُ مِن قَدٍّ أَلَذُّ بِهِ،               هو الرُّؤَى مِن خَيالٍ حَمَّ أَحوالِي

أَلا اعلَمِي أَنَّ مَن يَجرِي القَرِيضُ بِهِ،      عاصٍ لِمَن حَرَّمُوا، عاصٍ لِأَغلالِ

فَخَفِّفِي اللَّومَ والإِرشادَ، يا قَمَرًا،             لِحُسنِهِ يَسجُدُ الغاوُونَ أَمثالِي!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *