إحسان عبد القدوس (1919-1990)… قال “كل شيء قبل أن ينتهي العمر”

Views: 797

سليمان بختي

ربما تعرَّض الروائي والصحافي المصري إحسان عبد القدوس (1919-1990) للظلم من بعض النقّاد في لبنان والعالم العربي، ولم يُشفع له نصفه اللبناني (والدته السيدة روز اليوسف – اللبنانية المولد والأصل والتركية الجذور) ولمع مجده الصحفي. فقد كانت النظرة إليه أن اغلب رواياته تنتهي إلى السرير وعالم الجنس والإباحية، وأحياناً في قالب من تعبيرات الحب المبتذلة. ولكنه ظلّ يعتبر من الروائيين العرب الذين تناولوا الحب بجرأة، لذلك ربما تحولت أعماله وقصصه إلى أفلام سينمائية. ولذلك شكّل أدبه نقلة نوعية مميزة في الرواية العربية. ولذلك نجح في الخروج من المحلية إلى العالمية وترجمت معظم أعماله إلى لغات عدة.

 استقى احسان عبد القدوس أدبه وفنه وانفتاحه من والدته الصحفية والممثلة (روز اليوسف) وكذلك من والده الممثل والمؤلف المصري محمد عبد القدوس.

 نشأ احسان عبد القدوس في بيئتين مختلفتين ومتكاملتين في آن. إذ كان جدّه يقيم ندوة لعلماء الأزهر وما أن ينتهي منها حتى تبدأ ندوة والدته وفيها كبار الشعراء والسياسيين والفنانين، ويعلّق إحسان: “كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمرٍ واقع في حياتي لا مفرّ منه”.

 

لوالدته قصة درامية إذ فقدت والديها منذ بداية حياتها في مصر فاحتضنتها أسرة مسيحية صديقة لوالدها. ولما قررت هذه العائلة الهجرة إلى أميركا اصطحبت روز معها. وما إن رست الباخرة بالاسكندرية حتى طلب اسكندر فرح وهو صاحب فرقة مسرحية من الأسرة المهاجرة التنازل عن البنت اليتيمة ليتولاها ويربيها فوافقت الأسرة وبدأت حياتها وانطلاقتها في الفن.

درس احسان عبد القدوس المولود عام 1919 في مدرسة خليل آغا بالقاهرة ومدرسة فؤاد الأول ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة وتخرّج عام 1942 لكنه فشل في أن يكون محامياً. تولى رئاسة تحرير مجلة “روز اليوسف” ولم يتجاوز الـ26 عاماً لكنه لم يستمر طويلاً إذ ترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين ليتولى رئاسة تحرير “أخبار اليوم” ثم ترأس مجلس إدارتها أيضاً.

عرّضته مقالاته السياسية للسجن وللاعتقال ومن أهم القضايا التي واجهها قضية الأسلحة الفاسدة في مصر مما ساهم بإسقاط النظام الملكي فيها. كما تعرّض لمحاولات اغتيال وسُجِن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي وأصدرت مراكز القوى قراراً بإعدامه.

 

كتب احسان عبد القدوس أكثر من 600 رواية وقصة قدَّمت منها السينما المصرية 49 فيلما و5 مسرحيات و8 روايات تحولت إلى مسلسلات إذاعية. صوّرت معظم رواياته فساد المجتمع المصري وانغماسه في الرذيلة والجنس. ومن هذه الروايات “النظارة السوداء” و”بائع الحب” وغيرها. وردّاً على آراء وصمته بأنه كاتب الجنس الأول في مصر يرد بقوله: “لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس هناك المازني والحكيم ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان ولكني لم أضعف مثلهما لإيماني بمسؤوليتي ككاتب. نجيب محفوظ يكتب عن الجنس ولكن بطريقة تجعل القارئ يحسّ كأنه يتفرّج على ناس من عالم آخر غير عالمه ولا يحسّ أن القصة تمسّه… أما أنا فقد كنت واضحاً وصريحاً وجريئاً وكتبت عن الجنس دون أن أسعى لمجاملة طبقة على حساب طبقة”.

 ويذكر أن الرئيس جمال عبد الناصر اعترض على روايته “البنات والصيف” وفيها وصف للجنس بين الرجال والنساء أثناء اجازات الصيف. أرسل رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر يبيّن فيها “إن قصصه هي من وحي الواقع لا بل أن الواقع أقبح وهو يكتب أملاً في إيجاد الحلول لها”.

لعب احسان عبد القدوس دوراً بارزاً في صناعة السينما في مصر ليس برواياته التي تحولت إلى أفلام بل أيضاً بمشاركته في كتابة السيناريو والحوار لأفلام مثل “لا تطفئ الشمس” و”امبراطورية ميم” (قصة مكتوبة على أربعة أوراق) كما شارك سعد الدين وهبة ويوسف فرنسيس في كتابة سيناريو فيلم “أبي فوق الشجرة” لعبد الحليم حافظ.

 

تربع عبد القدوس على عرش أكثر كاتب وروائي تحولت أعماله إلى أفلام يليه الأديب نجيب محفوظ. عرفت رواياته التي تحولت إلى أفلام تأثيراً مختلفاً نذكر منها “أنف وثلاث عيون” والتي يُقال إنها مستوحاة من علاقة الحب التي جمعته مع الروائية اللبنانية حنان الشيخ، و”دمي ودموعي وابتسامتي” و”بعيداً عن الأرض” و”أرجوك اعطني هذا الدواء” و”أيام في الحلال”، وكذلك “لا انام” و”في بيتنا رجل” و”الوسادة الخالية” و”أنا حرّة”، ويتوقف احسان عبد القدوس عند فاتن حمامة باعتبارها صوّرت خياله وخصوصاً في فيلم “لا انام” و”الطريق المسدود”. ويضيف إليها: نبيلة عبيد ونادية لطفي ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني. وكثيراً ما كان يتواجد في الاستديو أثناء تصوير المشاهد.

 وبالرغم من دوره الكبير إلا أن أعماله اصطدمت بالرقابة وخاض معها المعارك وعرفت أفلامه الكثير من التعديلات التي فرضتها الرقابة مثل نهاية فيلم “البنات والصيف” ونهاية فيلم “لا انام”، ومحاولة تغيير عنوان فيلم “يا عزيزي كلنا لصوص” وأوقف وزير الثقافة الفيلم سنتين قبل الافراج عنه. كما أن فيلم “حتى لا يطير الدخان” رفضته الرقابة وكانت معركة طويلة قبل الإفراج عنه.

 إضافة إلى قصصه ورواياته كان له كتب في المقالات السياسية مثل، “على مقهى في الشارع السياسي” (1979) و”خواطر سياسية” (1979) وكان له إسهامات بارزة في المجلس الأعلى للصحافة والسينما، وقد منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق، ومنحه الرئيس حسني مبارك وسام الجمهورية، ونال جائزة الدولة التقديرية عام 1989. ونال الجائزة الأولى عن روايته “دمي ودموعي وابتسامتي” (1973) وجائزة أحسن قصة فيلم عن رواية “الرصاصة التي لا تزال في جيبي” المستمدّة من حرب تشرين.

 

كان احسان عبد القدوس يتردّد إلى بيروت وخصوصاً في الربيع ويروي سمير صفير في كتابه “عالم من ورق” أن الأستاذ احسان كانت لديه قدرة خارقة على استدراج الأصدقاء للاعتراف بما لديهم من قصص، كل سهرة له في بيروت كانت تنتهي في بهو الفندق مع عدد محدّد من الذين يلتفت إليهم ثم يسأل: “قل لي بصراحة، أنت عندك حكاية”.

لبث احسان عبد القدوس يكتب القصة ويسأل عنها ويبحث عنها مبتعداً عن الشلل والأصدقاء. كان ينظر إلى العالم ويجده يتغير بسرعة فائقة ولكن كان همّه أن يقول “كل شيء قبل أن ينتهي العمر” وهو أحد عناوين كتبه الأخيرة. أن يقول كل شيء في الحب والحرية، وظل يكتب حتى وافته المنية في 12 كانون الثاني 1990 (يُصادف هذه السنة مرور 30 سنة على وفاته)، وتوقف معها سطر الغزارة والغنى في الرواية العربية.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *