رياض البندك (1924-1992)… لحن “يا عيني عالصبر” لوديع الصافي  واكتشف فايزة أحمد

Views: 1686

سليمان بختي

يُعرف الملحن والموسيقار الفلسطيني رياض البندك بأنه صاحب الرائعة الموسيقية “يا عيني عالصبر” التي غنّاها وديع الصافي وأبدع. ولكن ما لا يعرف كثيراً أنه من المساهمين في تأسيس إذاعة صوت العرب من القاهرة، وساهم في تنظيم القسم الموسيقي في إذاعة بيروت ودمشق، وفي إذاعة وتلفزيون الإمارات العربية المتحدة. وانه قدّم نشيدين وطنيين رائعين “هلمّوا يا شباب العرب”، و”السهول والربى”. وانه كان بصدد تلحين أغنية لأم كلثوم وضاعت فرصته غداة وفاة عبد الناصر (أيلول 1970)، وانه اكتشف فايزة أحمد وقدمها في مصر، وقدّم عشرات الألحان للمطربين والمطربات اللبنانيين والعرب. وختم حياته بسمفونية بعنوان “فلسطين” بدأ كتابتها عام 1976 وانتهى منها عام 1989.

ولد رياض عيسى باسيل البندك في بيت لحم بتاريخ 7 شباط 1924. كل مؤشرات طفولته دلّت على انه سيصبح فناناً. ورغم معارضة والده الشديدة لاتجاهه الفني إلا انه أصرّ وثابر. كان يجمع أولاد الحيّ ويدورون في الشوارع والبيوت يردّدون الغناء. كان والده صاحب جريدة “الشعب” ورئيس بلدية بيت لحم وعمل رياض لفترة في الجريدة مع اخيه يوسف. تتلمذ على يد الموسيقار الفلسطيني يوسف البتروني. ومع بدء محاولاته التلحينية استطاع أن يسجل أغنية لإذاعة القدس من تأليفه وتلحينه. أعجبت هذه الأغنية مدير الإذاعة الملحن يحيى اللبابيدي ملحن أغنية فريد الأطرش الشهيرة “يا ريتني طير لطير حواليك”. والمعروف أن فريد الأطرش غنّى لحنين ليسا له وكانت الثانية هي “من يوم ما حبّك فؤادي” كلمات وألحان مدحت عاصم.

 

لحّن عام 1945 أغنية نالت اعجاباً وهي “تحية عرب فلسطين إلى ارض الكنانة” وسجّلها في إذاعة القاهرة. بعد نكبة 1948 تابع البندك مسيرته الفنية في لبنان وسورية. ولكن بعد قيام ثورة 1952 وكان من أشد المتحمسين لها، كلّف بالمساهمة في تأسيس إذاعة صوت العرب وترك فيها الكثير من الألحان والأعمال. كما قدّم نشيدين وطنيين “هلمّوا يا شباب العرب” و”السهول والربى”. طلب الرئيس عبد الناصر مقابلته مبدياً اعجابه بوالده عيسى ودوره النضالي. وأسر له “أن نشيداً واحداً من أناشيدك يا رياض لا يقلّ أهمية عن دور أي رئيس دولة”. وأبلغه أن يتابع كل أعماله وألحانه في صوت العرب ومشيداً بإنجازاته.

اكتشف رياض البندك صوتاً غنائياً مشرقياً مميزاً فقد التقى فايزة أحمد وهي تغني في صالة شعبية في سورية واعجب بصوتها وقدم لها لحن “امسحوا عن ناظري كحل السهاد”. وبذل معها مجهوداً في الحفظ والتوجيه والتعليم. حقّق اللحن نجاحاً فسافر معها إلى مصر وقدمها إلى مدير إذاعة صوت العرب وانطلقت فايزة أحمد بعد ذلك لتقدم ألحاناً من محمد الموجي وبليغ حمدي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب ومحمد سلطان، وغدت من أهم مطربات مصر والعالم العربي.

قدّم رياض البندك عشرات الألحان لأشهر المطربين والمطربات في لبنان والعالم العربي. من لبنان لحن لسعاد محمد “امتى الهوى ينصف حبيبي”، وزكية حمدان ونور الهدى وسهام رفقي ووديع الصافي ونصري شمس الدين وملحم بركات ونهاد طربيه. ومن سورية: فاتن الحناوي (شقيقة ميادة) “يا من سقانا” وفازت بالجائزة الأولى في مهرجان تونس الغنائي 1967 وماري جبران “آه من عينيك” وربى الجمال، وجورج وسوف وفهد بلان. ومن مصر: محمد عبد المطلب “تسلم” ومحمد قنديل وكارم محمود وهدى سلطان وفايدة كامل وعبد الغني السيد وفايزة أحمد. وغنّى ألحانه من تونس: لطفي بشناق وعليا التونسية “لا ملامة”. ومن فلسطين لحّن لفهد نجار وماري عكاوي وفاطمة محمد ورجاء وعامر فراج وكاظم السباسي.

 

بعد هزيمة 1967 لحّن رياض البندك أغنية “يا عيني عالصبر” وتعتبر من أهم ما لحّن، وأجمل ما غنّى وديع الصافي. وهذا برأي الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي سجّل اعجابه بفن رياض البندك. “يا عيني عالصبر” لحن أصيل واغنية لا تموت وأداء اعجازي رفيع من وديع الصافي. هذه الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر المصري نجيب نجم أبكت الكثيرين لقوة حساسيتها وأثارت اعجابهم.

علّق الموسيقار رياض السنباطي بعد سماعه الأغنية بأن “هذا اللحن بمثابة مدرسة فنية متكاملة”. ويعتبر زياد عساف في كتابه “المنسي في الغناء العربي” إن هذه الأغنية كانت شكلاً مختلفاً عمّا قدمه المطربون العرب للتعبير عن مرحلة ما بعد 1967 فقد غنّى عبد الحليم حافظ “عدى النهار” و”احلف بسماها وترابها” و”المسيح” وغنى فريد الأطرش “شعبنا يوم الفداء” من كلمات الشاعر اللبناني انور سلمان. وغنت أم كلثوم “دوس كل الصعب وسير”، وغنى عبد الوهاب “حي على الفلاح” من كلمات الاخوين رحباني وتوزيعهم. وكلها اغاني تدعو إلى الصمود والنهوض، أما أغنية وديع الصافي فلم تكن بظاهرها وطنية ولكن مضمونها الإنساني يتناسب مع الأحداث وخصوصاً هذا المقطع: “غريب الحيّ والغربة ليالي طوال/ في ارض الله أنا والآه بقيت جوال/ أشيل الحمل وكتافي تقول صابرين/ على الوعدة وعالمكتوب وعاللايمين”.

اتّسمت أعمال رياض البندك بالمرونة والبراعة والتطريب. ولعلّ أهم أعماله الفنية الضخمة هي “فلسطين” ويعدّ أول عمل في تاريخ الموسيقى العربية يقدم مع اوركسترا عربية. وقد وضع رياض البندك في هذا اللحن خلاصة خبرته وتجربته ليظهر عظمة الموسيقى العربية واهميتها وقد بدأ كتابتها عام 1976 وانتهى منها عام 1989. ورغم كل هذا النتاج الضخم بقي رياض البندك مغبوناً وفي الظلال اعتراه القلق في أواخر أيامه على فنّه ومنجزاته هو الذي عانى الخسارة الكبرى في أعماله وأعمال غيره من الموسيقيين والفنانين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب بفعل ضياع أرشيف إذاعة القدس وخسارة مرحلة الثلاثينات المهمة من القرن الماضي وما تحتويه من انجازات كان لها الأثر الأكبر على تطوّر الموسيقى والغناء في العالم العربي. ولكن رياض البندك حمل في الفن رسالة مفادها أن تصبح الموسيقى الشرقية عالمية يسمعها القريب والبعيد من مشارق الأرض ومغاربها فيطرب لها كما نطرب نحن للموسيقى الغربية.

توفي رياض البندك في دمشق عام 1992 محمولاً على الأوتار والألحان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *