من خواطر الحجر: (في المقياس المادّي يكون العمرُ وراءنا، في المقياس الفنيّ يأتي العمرُ أمامنا)

Views: 477

د. يوسف عيد

رحيلُ الفنانِ الصديقِ سامي أبو خير هذا النهار ، زاد عليَّ حزناً ،وأمعنَ في فتح جروحي الروحيّة . لبنانُ يَخسَرُ مُبدِعاً من مُبدعِيه كما خَسِرَ كبارَه أمثال( قيصر الجميل،عمر الأنسي ،بول غيراغوسيان بيار صادق وغيرهم ….)

سامي الذي أعرِفُه من عشرات السنين منذ أنْ كنتُ طالباً في معهد الرسل،جونية، ودامت لي صداقَتُه. كان في مِرسَمِه الواقع في قلبِ ساحةِ جونية، ينسى حالَه على اللوحة فيذوب فيها ،يتمَدَّدُ، يَتسطّحُ، يتَمَرْمَغٌ، يَتشَقْلبُ، يَتَمَحدَلُ بالأزياح والألوان ،مِثْلَ طفلٍ مع أترابه يلعبُ في حقل التين واللوز. كان يضحك للّون ، واللونُ يضحكُ له ، يُمرِغُه فوق بياض قُماشَته فيدفعك أن تشاطرَه هذا التذوّقَ في الفحوى والمضمون. أذكرُ مرّة، أنني كنتُ مشدوداً الى ريشته ويدُه ترتجفُ ،تبحثُ عن بعض الشُعَيراتِ في وَجه صورةِ مار شربل، فَشَممتُ رائحةَ البَخور في لُهاث اللون المتحرّك بين ديناميّات الفوقِ والتحتِ،أو مِغنَطيسيّات اليدِ التي تُساكِن البكارة التصويرية .

في مِرسَمِه المتواضِع على غناه بكنوز اللوحات لجميع المشهورين ، كانت تخشع آلهةُ الجمال وتصمُت .كانت تُسمِعُكَ الأزياحُ والألوانُ همساتِ البواعثِ والمقاصد في عالم السحر التصويري الغائيّ ، لينقَدِحَ وَعيُكَ التشكيلي الجمالي بشرارة من التفتّح والتيقّظ والوعي والإعجاب بفنّان مُحتَرفٍ بانتزاع الاندهاش منك . في الآونة الأخيرة كاد قلبي يَنفطرُ عليه حين رأيتُه مُتسكِّعاً في أسواق جونية ، يَبيعُ بعضَ لويحاته الورقيةِ بأسعارٍ زهيدةٍ بُغيةَ شِراءِ دواءٍ لِكِليتَيه المريضَتَين. آخٍ منكَ يا زمنُ ما أقساكَ ! ولعنةً عليكِ يادولةً عاهرةً تَتنكَّرُ لأبنائها لمُبدعيّ الجمال في جنباتها، وقد أجبرتنا على التَّسَكُّع في أسواق الدول، ننتظر من يَمُنَّ علينا بكَسرة خبز لنحيا . سلامُ الله على روحك النقيّة يا صديقي سامي . فلربما بدأ الآن مشوارُ إبداعِكَ السماويّ، حيث العدالةُ الالهيّةُ هي عدالةُ الحقّ الإنساني .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *