40 سنة على غياب رشدي أباظة (1926-1980)… الدونجوان والأسطورة والبرنس والفتى الأول

Views: 711

سليمان بختي

مضت أربعون سنة على وفاته ولم يكرمه مهرجان سينمائي في بلده ولا في العالم العربي. تربّع على عرش النجومية والوسامة والموهبة. وقدم للسينما 160 فيلماً وكانبينها أهم الأفلام المصرية. كان حالة خاصة في السينما المصرية لقب بـ”الدونجوان” انه أسطورة افلام الأسود والأبيض: رشدي أباظة (1926-1980).

ولد رشدي سعيد بغدادي أباظة في الزقازيق في عام 1926 لأب مصري كان ظابطاً في البوليس وأم ايطالية هي تيريزا لويجي. درس في المدرسة المارونية بحيّ الظاهر في القاهرة. عاش في طفولته ويفاعته صراعاً بين انفتاح والدته الايطالية وتقاليد العائلة الأباظية الريفية العريقة ذات الأصول الشركسية. أدى كل ذلك إلى انفصال والديه وزواج كل منهما فطلب إليهما إلحاقه بمدرسة سان مارك الداخلية في الإسكندرية. كان شغوفاً بالرياضة وكمال الأجسام والبلياردو، وفي التاسعة عشرة من عمره ترك المدرسة وعمل في شركة للغلال والحبوب ثم في شركة قناة السويس، وحاول أن يؤسس مشروعاً تجارياً فاشترت له والدته أربع سيارات فباعها وأسس متجراً لقطع غيار السيارات، وعلى الواجهة كتب “متجر رشدي أباظة لقطع غيار السيارات الأصلية”. رغم جهوده فشل المشروع ووجد نفسه في السهرات وليل الملاهي ومعه صديقيه عادل أدهم وعلي رضا الباحثان عن فرصة في عالم الفن.

لم يجذبه العمل في الفن ولم يكن وارداً لديه. ولكن أثناء تواجده في أحد نوادي البلياردو رآه المخرج بركات وعرض عليه دوراً في فيلم “المليونيرة الصغيرة” (1948) مع فاتن حمامة. فشل الفيلم فقاطعه والده رافضاً أن يصبح ابنه سليل العائلة العريقة ممثلاً. وواجهته والدته بحقيقة انه لم يُخلق ليكون ممثلاً. ولكن القدر سانده حين جاء المخرج الايطالي غوفريدو الساندرين إلى القاهرة وكان رشدي يتقن الايطالية والفرنسية والانكليزية والألمانية والاسبانية ووقع عقداً معه لدور في فيلم “أمينة” وتقاضى عليه 500 جنيه. هذا الفيلم فتح له الباب لأفلام كثيرة من أهمها “الاسطى حسن” و”رد قلبي” و”جعلوني مجرماً” و”بحر الغرام” و”بور سعيد” و”تمر حنة” و”صراع في النيل” و”طريق الأمل” و”كلمة شرف” و”جميلة بوحريد” و”امرأة على الطريق” و”الشياطين الثلاثة” و”في بيتنا رجل” و”لا وقت للحب” و”الرجل الثاني” (مع صباح وسامية جمال وكان الأحب إلى قلبه) و”الزوجة 13″ و”ايدك عن مراتي” و”كانت أيام” مع صباح وناديا لطفي وفي الفيلم غنّت له صباح من ألحان بليغ حمدي “يانة يانة أبو تانة” و”عاشقة وغلبانه” والبني”. وكان آخر أفلامه مع صباح “نار الشوق”. وغنت له: “كل سنة وأنت طيب يا راجل يا طيب”. لكن الفيلم الذي ثبته في السينما كان “المؤامرة” لكمال الشيخ. أما الفيلم الذي نقله من رتبة البطل إلى النجم فكان “امرأة على الطريق”.

حمل رشدي أباظة وجهاً وسيماً أرستقراطياً وعرف بعلاقاته الغرامية في السينما وخارجها حتى أن الكتاب الوحيد الذي كتب عنه جاء عنوانه “الدونجوان”- أسطورة الأبيض والأسود – للكاتب أحمد السماحي واعتبر فيه الكاتب أن رشدي أباظة كان يبحث عن امرأة تحتوي ألمه ولذلك تعددت علاقاته. ولكن هذا اللقب وحبه للخمر اثر عليه مما حمل بعض المخرجين إلى تفضيل غيره في ادوار تليق له وحده. ولا أزال اذكر صوب نهاية السبعينات انه اثار فضيحة في بيروت أثناء مقابلة تلفزيونية له مع الناقد السينمائي الراحل فريد جبر حين سأله عن آخر مشاريعه. فأجاب وقد تعتعه السكر: “بدي ويسكي… بدي خبز”. ولكن ماذا كان يريد فعلاً؟ وقد أجاب مرة على سؤال: “أنا في الحقيقة حائر لا اعرف قد يكون المجهول الذي ابحث عنه هو الاستقرار وقد يكون الحب”.

نافس رشدي أباظة الملك فاروق خاطفاً حبيباته. من فلورانس إلى كاميليا. حتى انه قال غير مرة عن الملك فاروق “انه أشهر أبناء الذوات في مصر ولكن لا يصلح ملكاً لأن العرش سجن وهو يحب الحرية”. هذا الكلام نقلته الراقصة الفرنسية فلورانس إلى الملك. فردّ عليها: “سأعرف كيف أؤدب ذلك الوغد الاباظي”.

وذات ليلة كان يجلس مع فلورانس فشعر بيد ثقيلة تهبط على كتفه فالتفت ليجد الملك فاروق مصوّباً مسدساً نحو رأسه. ساد الصمت لكن الملك وضع المسدس على الطاولة قائلاً: “هذا المسدس هدية مني لك حتى تستطيع الدفاع عن نفسك في المرة المقبلة”. وأضاف: “سأقتلك يعني سأقتلك”. عاش تلك الفترة على أعصابه وأثناء تصويره فيلم “امرأة من نار” أمام فاتنة الشاشة كاميليا اشتعلت قصة الحب بينهما وكانت كاميليا على علاقة معروفة مع الملك.

بدأت ترده المكالمات الهاتفية بالتهديد وتشديد الشعور عليه بالمراقبة. لكن القصة انتهت بشكل مأسوي وذلك بوفاة كاميليا بحادث سقوط الطائرة عام 1950. انهار رشدي أباظة ودخل في غيبوبة مردداً اسم كاميليا. خرج من أزمته متابعاً أعماله الفنية وكان مهيئاً للعالمية. ولكن، هل اضاع رشدي أباظة حقاً فرصته للعالمية؟

اشترك دوبلير للنجم العالمي روبرت تايلور في فيلم “وادي الملوك” وشارك في دور في فيلم “الوصايا العشر” للمخرج سيسيل دوميل.

وفي عام 1960 زار القاهرة المخرج البريطاني ديفيد لين وكان من المفترض أن يوقع عقداً معه لدور في فيلم “لورانس العرب” الذي كان يصوره في الأردن. ولكنه لم يحضر في الموعد المحدد وتمّ التعاقد مع النجم عمر الشريف وكانت انطلاقته نحو العالمية.

وهذا الموضوع كان سبباً لبرودة العلاقة مع عمر الشريف حتى وفاته.

تزوج رشدي أباظة ست مرات. زيجته الأولى كانت من المغنية الفرنسية آني برييه ثم تزوج الراقصة تحية كاريوكا. وتزوج من الأميركية بربارا وأنجب منها ابنته الوحيدة “قسمت”. وطلّقها ليتزوج سامية جمال واستمر الزواج من 1962 حتى 1977. وتخلّل هذا الزواج زواجه من الفنانة صباح لمدة أسبوعين. وتقول صباح انه الوحيد بين أزواجها الذي نافسها شهرة. وقبل وفاته بسنتين تزوج من ابنة عمه نبيلة أباظة. إلا أن طلاقه من سامية جمال ترك في نفسه جرحاً. قال لابن عمه حسين أباظة: “كدت انتحر… يا حسين”. وهو صرح غير مرة بأنه لم يحب في حياته سوى سامية جمال”.

التقى عام 1966 بالفنانة نادية لطفي في فيلم “جريمة” في الحي الهادئ. وبعد أربعة افلام معها نشأت بينهما صداقة حميمة وحب مختلف. وصارت نادية لطفي الأخت وصديقة العائلة الوفية والحاضرة دوماً في اللحظات المهمة.

عام 1979 وأثناء تصوير فيلم “بياضة” مع يسرا نشأت علاقة حب بينهما لكنه تراجع عنها بسبب فارق السن.

ولكن، ومع الظروف التي أحاطت بعلاقته مع النساء إلا انه كان يحب أن يكون مع العائلة وخاصة في “عزبته” على الطريق الصحراوي بين القاهرة والاسكندرية. ويحب أن يطبخ لضيوفه الإطباق الايطالية التي تعلمها من والدته. ويحب أن يرفع الكأس لكل أمر في الحياة.

كان لدى رشدي أباظة حلم تجسيد سيرة المطران ايلاريون كبوجي وظهر بصورة مرتدياً لباس المطران، ولكن لم تسعفه الظروف لتحقيق حلمه.

أثناء تصويره فيلم “الاقوياء” وهو آخر افلامه أحسّ بوجع في رأسه وسقط في احد المشاهد أمام عزّت العلايلي. وتبين انه ناتج عن ورم سرطاني. ولم يستطع إنهاء الفيلم وأكمله الفنان صلاح نظمي وقلّد صوته الفنان احمد زكي.

سافر إلى لندن وخضع لجراحة عاجلة على يد الدكتور جون اندروز وعاد إلى القاهرة.

بعد أربعة أشهر تدهورت حالته الصحية ونقل إلى غرفة العناية المركّزة في مستشفى العجوزة في القاهرة. وفي فترة مكوثه في المستشفى لم يرَ سوى شقيقه فكري وابنته قسمت والفنانة نادية لطفي. وكان يدخل في غيبوبة ثم يليها يقظة لفترة محدودة وفي واحدة منها قبَّل قدم حفيده ثم راح في غيبوبة عميقة. بقي في المستشفى 19 يوماً حتى وفاته في تموز 1980. أوصى بوضع نبات الحناء داخل قبره لأنه كان يؤمن بأن الحناء تسرع تحلّل الإنسان.

ومشى في جنازته في القاهرة أكثر من 200 ألف مواطن. عاش رشدي أباظة حياة حافلة بالفن والحب والاضواء. كان النجم الأول والدونجوان والمجنون والبرنس والذي يخاف على الممثل الذي أمامه وعلى الفيلم أن يسقط. ويخاف أن يفترسه القلق فيهرب تارة إلى مغامراته الغرامية وطوراً إلى غيبوبة الكأس أو ينغمس في شخصيات أفلامه..

تناولت شخصيته في مسلسل عن السندريلا (2006) وآخر عن “الشحرورة صباح” (2011) وآخر عن تحية كاريوكا (2012). كما كتب حياته شقيقه فكري أباظة لكنها لم ترَ النور.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *