ما زالتِ الوردةُ في يدي  

Views: 374

د. غادة السمروط

    كلماتٌ أحملها خاشعةً أمام مذبحِ المعنى، تسافرُ إلى الماضي، تبحثُ في الذّكريات وفي قصائد الطّفولة. هي دليلي إليّ، أتبعُها، يظلّلُنا نورٌ واحد، أتقدّمُ خلفها فتحميني. إزارٌ هي، يقيني من شمسٍ أخشى حرّها. قنذيلٌ هي لي في طريقٍ نبتَتْ فيه أعشابٌ برّيّة، وامّحت معالمُه. كلّما تقدّمْتُ ينحني عليَّ صداها، يردُّني إلى مرتعِ الخطواتِ الجميلة، أراه صدًى بلا صوت، يأتي من وراء تلك التّلال، من عمقِ ذلك الوادي، من الزّعترِ والوزّالِ والقندول. يأتيني مثلَ صلاةٍ  بغيرِ كلمات، وكأنّه نبتةٌ غرسها الزّمنُ على حافةِ النّسيان، تتوقُ إلى أن تنهضَ في استفاقةِ الماضي، وفي فورانِ الانتظار. عندما أبتعدُ، أستديرُ إلى الخلف، أرمقُها بعودةٍ ووعدِ لقاء. وكلّما فكّرتُ بهذا الوعد، تعود فيّ رشيقةً، تمحو صحراءَ البعد، وتُدفئ اللقاء. بحرٌ يفصلني عن اللقاء، وهو بلونِ البرد.

      كنتُ قبل أن أبدأَ برسمِ المعنى على الورقة، أملأُ ذاتي فراغًا، أُغمضُ عينيَّ، وأذهبُ إلى الحلم، حتّى يتدفّقَ جدولُ الكلمات. فأراني أمرحُ على دربٍ من تراب، أركضُ مثل فراشةٍ في شمسِ حبّاتِ التّين، وفي نسيمِ سنابل القمح. وأراني طفلةً لم تمسكِ القلمَ بعد، ولم تقرأ كتابًا. هي تقرأُ الحقولَ والدّروبَ الّتي رحلَتْ، وبقيَتْ الآن صورةً في مرآة ذاتي. تُطلّ عليَّ حين تعصفُ بي أفكارٌ بلونِ الليل، حين يلفحُني هبوبُ الحنين، وحين ترنو نفسي إلى فرحٍ بلون الصّفاء، وإلى ضوءٍ بلون السّماء. وكلمةً كلمة، جملةً جملة، كان الماضي ينهضُ بهيًّا، يمحو في حاضري ما يُثقل عليَّ الوقتَ، وكنتُ أُدركُ في عودته سفرًا فيَّ. أسيرُ وفي يدي وردةٌ أقدّمها إليَّ عند اللقاء.

      لكنّني ما زلتُ أسيرُ، وما زالتِ الوردةُ في يدي!! 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *