أثر السرد الروائي في الأدب العربي

Views: 1437

مصر- د. عزوز علي إسماعيل

 

الأمة العربية هي الأمة التي تميزت بفن الحكي منذ الجاهلية وحتى الآن، فقديماً قيل الشعر ديوان العرب لأنه كان المعبر عن البطولات والملاحم والسير الشعبية، ومن يومها أصبح الشعر ديوان العرب، وكانت ألف ليلة وليلة في سردها العميق والرائق، تعبيراً عن الحياة والحكي فأصبحت الرواية هي الأخرى معبرة عن الآمال والآلام، والأدب منذ أرسطو وحتى الآن ما هو إلا محاكاة للواقع وتعبير عن الحياة. وإذا كان الشعر – كما قلت – مدوناً لحياة العرب، فإن الرواية الآن أصبحت هي المدونة لحياة العرب ، وهذا لا يعني أن نجم الشعر قد خبا ولكن قد توارى حياء بعض الوقت في هذا الزمن لأنه قد أخذ حظه بما يكفيه، حيث ظل مهيمناً على الساحة الأدبية قرابة سبعة عشر قرناً من الزمان تقريباً ثم جاءت الرواية مع الدكتور محمد حسين هيكل ” زينب ” في القرن الماضي أي منذ أكثر من مائة سنة بقليل فأصبحت الرواية هي المسيطرة والمهيمنة على الساحة حتى الآن، وكان لحصول أديب مصر والعالم العربي نجيب محفوظ على جائزة نوبل الأثر الكبير في تثبيت عبارة “زمن الرواية” فمنذ أن حصل على تلك الجائزة الرفيعة وحتى الآن والرواية في تقدم مذهل فنحن نرى يومياً أعمالاً روائية تظهر على الساحة تفوق ما قبلها أي أن هناك كتاباً عبروا بصدق فأصبحت أعمالهم في القمة والدليل الكتب النقدية التي تكتب عن الفن الروائي.

نجيب محفوظ

 

 

لذلك؛ سأحاول أن أصطحبكم في رحلة الرواية منذ ظهورها في مراحلها الأولى وحتى الآن لنرى المعاناة وفترات المخاض ثم القوة والوصول إلى العالمية ثم تثبيت مقولة “زمن الرواية”، فقد مرت الرواية بأربع مراحل حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن:

 المرحلة الأولى

المرحلة الأولى، وهي المحاولات الأولى للأعمال الروائية، فضلاً عن المعرَّبة التي دخلت إلى العالم العربي من هذا الطريق، مثل تعريب حافظ إبراهيم رواية البؤساء لفيكتور هوغو. وقد كان لحافظ إبراهيم روايته “ليالي سطيح” وهي من المحاولات الأولى للفن الروائي، وفي تلك المرحلة كان لأمير الشعراء أحمد شوقي دور في ذلك حيث له بعض الأعمال الروائية التي لم يسمع بها أحد، وهي في حد ذاتها بداية حقيقية لذلك الفن مثل رواية ” عذراء الهند ” والتي ظلت مفقودة إلى وقت قريب بعد أن عثر عليها الدكتور أحمد الهواري وله أبحاثه عنها. ورواية ” دلّ وتيمان ” و” لادياس ” و “حوارات مع شيطان بنتاؤر”.

محمد حسين هيكل

 

 

 وإذا سألنا أنفسنا سؤالاً لماذا كتب أمير الشعراء الرواية رغم أنه كان متوجاً أميراً على عرش الشعر؟ والإجابة بكل بساطة أراد أن يكون رائداً في النثر كما هو رائد في الشعر، حيث كان ينظر من بعيد للكتاب الكبار من الفرنسيين الذين كانوا رواداً في الاثنين معاً الشعر والنثر كما كان الحال عند ألفريد دي موسيه وفكتور هيغو فضلاً عن ذلك، كان مولعاً بشاعر وكاتب فرنسي عملاق هو تيوفيل غوتييه، وإذا تذكرنا غوتييه لا بد وأن نعلم أنه كان شغوفاً بالحضارة المصرية العظيمة القديمة فقد كتب عدداً من الروايات والتي أعتقد أن شوقي كان قد تأثر به فقثد كتب تيوفيل غوتييه رواية “قدم الممياء” ورواية “حنين المسلات” ورواية “حكاية الممياء” ولا بد أن نعرف حقيقة مهمة هي أن الأخير غوتييه كان قد قرأ كل ما كتب عن الحضارة الفرعونية القديمة من كتب العلماء والباحثين بعد معرفة رموز حجر رشيد. وفي المرحلة الأولى أيضاً لا ننسى ما قام به الرائع مصطفى لطفي المنفلوطي في “العبرات والنظرات” وما قام به الكاتب جورج (جرجي) زيدان في كتاباته حول الدين الإسلامي رغم أنه رجل مسيحي إلا أنه له إبداعه عن الدين والشخصيات الإسلامية كما في الأمين والمأمون وعبدالرحمن الناصر، وهذا يؤكد أن الإبداع لا يفرق بين الأديان، ولكن من الممكن أن نطلق عليه لفظة مؤرخ أفضل من روائي لأنه كان ينظر للأحداث من هذه الزاوية، والفرق بينه وبين توفيق الحكيم أو حتى نجيب محفوظ ويحيى حقي أن الآخرين كانوا روائيين ينظرون إلى الأحداث من زاوية الفن وعلم الجمال، بينما جرجي زيدان كان ينظر لها من زاوية التاريخ أي كيف كان الحدث عبر التاريخ وكيف صورته كتب التاريخ، تقريباً كان ذلك هو الفارق بين جورج زيدان وبين الروائيين الآخرين . 

أحمد شوقي

 

 

المرحلة الثانية

والمرحلة الثانية من مراحل تطور الفن الروائي كانت مع الدكتور محمد حسين هيكل في كتابة رواية “زينب” والتي تعتبر سيرة ذاتية للكاتب. وقد خطها وقت وجوده في فرنسا كي يحصل على الدكتوراه في القانون، فقد كان والده من الإقطاعيين الكبار الذين يمتلكون حيازات واسعة من الأراضي الزراعية، الأمر الذي ساعده على السفر، وبعد أن اطلع على الأدب الفرنسي في فترة وجوده هناك بدأ ينظر إلى مشرقه الذي تغرب عنه وحاول أن يكتب ما كان يراه في إقطاعيات والده وزراعة القطن وكيف كان عمال التراحيل وبالأخص زينب التي عشقها، تلك الفتاة الفقيرة المعدمة التي لا تملك شيئاً من هذه الدنيا سوى جمالها. ومن هنا كانت رواية زينب البداية الحقيقية للرواية العربية رغم الاقتباس الواضح من الأدب الفرنسي، وبالتالي فإن الميلاد الحقيقي للرواية العربية وعلى أرجح الأقوال مع رواية زينب للدكتور هيكل ومع ظهور هذه الرواية عام 1914 بدأ الكتَّاب الكبار في الكتابة الروائية مثل العملاق عباس محمود العقاد في روايته “سارة” والتي كانت سيرة ذاتية له، ثم عميد الأدب العربي طه حسين يكتب “الأيام” وهي أيضاً أيام حياته ومراراته التي لاقاها في حياته نتيجة فقدانه للبصر وهو صغير. وتوفيق الحكيم يكتب “عودة الروح”، وحين سافر إلى فرنسا كتب “عصفور من الشرق”، وبدأ في المسرح لأنه كان يعشق المسرح فكتب “يا طالع الشجرة” و”أهل الكهف” وغيرهما، وكان جل اعتماده على الذهن، فبات مسرحه يعرف بالمسرح الذهني المعتمد على العقل والفكر، ولكن أحداً من هؤلاء لم ينل منزلة نجيب محفوظ الذي ظل وفياً للفن الروائي وظل يجود فيه إلى أن حصل على جائزة نوبل. وهنا لنا وقفة، إذا كان نجيب محفوظ قد حصل على نوبل فهذا راجع إلى انغماسه في الرواية ولم يحد عنها بينما العقاد وطه حسين وغيرهما كانوا منشغلين بالأعمال النقدية وقراءة الأدب، فقدموا إلى المكتبة العربية أفضل ما كتب في النقد والثقافة العامة في وقتهم، لذلك كان إنتاجهم في الرواية قليلاً، ومن ثم استحق نجيب محفوظ تلك الجائزة الرفيعة.

جرجي زيدان

 

 

المرحلة الثالثة

بينما المرحلة الثالثة من مراحل تطور الفن الروائي فكانت على يد نجيب محفوظ وهنا أصبح هناك إكتمال للنضج الروائي إذا ما اعتبرنا المراحل السابقة هي بداية للنضج والتفتح الروائي فإن مرحلة نجيب محفوظ هي الإكتمال الحقيقي للكتابة الروائية والتي أصبحت مثالاً سار وراءه الكثيرون محاولين التقليد والإضافة، الأمر الذي جعل للرواية مكانتها العظيمة بين الآداب الأخرى. ولا بد وأن نعي ونعرف أن نجيب محفوظ كان قد تأثر بالكاتب الإنكليزي الشهير ولتر سكوت في كتابة تاريخ بلاده حيث ولتر سكوت قد كتب تاريخ بلاده روائياً وأراد نجيب محفوظ أن يحذو حذوه وبالفعل كتب نجيب محفوظ مسودة كبيرة لموضوعات تاريخية عظيمة أراد أن يدون تاريخ بلده عن طريق الرواية، وهو تاريخ فرعوني عريق، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك لم يكتب من الروايات التاريخية سوى ثلاث روايات وهي “عبث الأقدار” والتي كانت أول رواية له كتبت عام 1939 ثم “كفاح طيبة ورادوبيس”، وبعدها تطرق نجيب محفوظ إلى موضوعات شتى من التاريخية والرومانسية إلى الواقعية، وينتقل من عبث البحث في الواقع إلى عبث البحث في الوجود، فقد تناول العديد من القضايا الوجودية مثل الخوف والعجز واليأس كما في رواية السمان والخريف واللص والكلاب، والطريق.

طه حسين

 

 

لقد حرص نجيب محفوظ على تصوير الواقع المصري بكل دقة، وبكل ما أوتي من قدرة على ذلك، ممسكاً في يده كاميرا دقيقة تستطيع أن تلتقط تفاصيل الأشياء، محاولاً في الوقت ذاته التأكيد على الفكرة التاريخية للأحداث من خلال الوصف والسرد اللذين يمتلك ناصيتهما جيداً، ونلاحظ أن نجيب محفوظ وإن استدعى جزئية من جزئيات التاريخ، فإنه يأتي بها من أجل بث قيمة معاصرة وهي “الصراع من أجل الحرية”، وهو في طريقه إلى ذلك لا ينسى أن يُخضع ذلك التاريخ للفن الروائي الذي جعله يسهل قراءة التاريخ حين أدخل عليه عنصري الزمان والمكان، فضلاً عن الحدث والعقدة والشخصيات الرئيسية والثانوية. وهذا الأمر نراه بوضوح أكثر في رواياته التاريخية الأولى.

وتاريخياً يصور تلك الأحداث التي مرت بها مصر قبل وبعد ثورة 1952وهو ما رأيناه في رواية “السمان والخريف” والتي كتبت عام 1962، وهي من الروايات الواقعية التي انتقل فيها من الواقعية الطبيعية إلى الواقعية الوجودية، حيث سار فيها نجيب محفوظ على منوال الرواية الواقعية التي تصور الواقع الذي عاشه المصريون في تلك الحقبة التاريخية كما كان الحال في القاهرة الجديدة وخان الخليلي وزقاق المدق والسراب وبداية ونهاية فضلاً عن رواية الطريق التي بحث فيها البطل صابر السيد الرحيمي عن المخلص ولكنه لم يجده وكأنه يناشد الله فهي أزمة من أزمات الوجودي؛ ذلك الرجل الذي يبحث في حياته عن مجهول بعيد المنال يبدو في نهاية الطريق. إنه يبحث عن حياة فيها الإنسان ما زال إنساناً، عن ضوء نور ينير له دروب حياته المظلمة، بل والمعتمة من الظلمة الحالكة، إنه يبحث عن والده الذي ينكره حتى في المنام. إنه القلق الوجودي بكل أشكاله، والكينونة البشرية التي يراد لها أن تظل في بحث دائم عن كرامة قد ضاعت وحرية سلبت وعدل أصبح مفتقداً وسلام بعيد المنال.

العقّاد

 

 

المرحلة الرابعة

أما المرحلة الرابعة هي مرحلة ما بعد نجيب محفوظ التي نحياها الآن والتي تعتبر امتداداً له ولفكره لأنه هو من أرسى قواعد الفن الروائي حتى نلاحظ أن معظم الروايات لا يوجد لها مقدمات والسبب أن قواعد هذا الفن كانت قد أرسيت وقد عرفت وعرفها الجميع، فلا حاجة للتنظير الأمر الذي جعل مقولة “زمن الرواية” قوية، وهو الأمر الذي بات واضحاً حين تفجرت ثورة يناير 2011 من كل حدب وصوب وجاء الكتاب كي يعبروا عنها إلا إنهم لم يستطيعوا التعبير عنها لأن منجزاتها لم تتحقق بعد وما وجدناه من كتابات هنا وهناك ما هي إلا بذور قليلة من أعمال ننتظر ظهورها. فثورة كانون/يناير أكبر من أي عمل روائي حتى الآن وما عبر عنه عمار على حسن في “سقوط الصمت” ما هو إلا جزء يسير من تضحيات عظيمة حدثت في هذه الثورة العظيمة التي راح فيها زينة شباب مصر الأبرار الذين طالبوا بالحرية المفتقدة والعدل الضائع، ورغيف العيش الذي مات الكثيرون من أجله.

حافظ ابراهيم

 

 

وإذا كان عمار على حسن قد صور واقع الثورة والذين قفزوا عليها بهذه الصورة الواضحة فإن هناك بعض الكتاب قد صوروا هذا الواقع وما تلا الثورة بطريقة عجائبية غرائبية وهو الكاتب منتصر أمين في روايته “يحيى وصحف أخرى”، فهذه الرواية تغوص داخل أعماق النفس البشرية لتبحث في عوالمها وتنقب عن مكنونها وعن اختياراتها الصعبة لتكشف لنا الجوانب الخفية في تلك النفس في زمن غير معلوم ومع أشخاص مهزومين في معظم الأحوال ونراهم دائماً بين بين لا هم بالأشرار أو بالأخيار وكأننا في تيه من الأمر حيث اختلط الصالح بالطالح فأصبحت شخصياته مهزومة وتائهة، تعيش مع هياماتها، وقد عدد الكاتب الأصوات في الرواية واتخذ شكل السرد المباشر ليحكي هو عن كل شخصية من الشخصيات ويعطي رأيه أحياناً بداية من الإهداء ومروراً بالعمل حتى أنهى الرواية، يذكرنا الكاتب في هذه الرواية بالكتابة الأسطورية وكأننا في عالم عجائبي وغرائبي و نراه يعرض لحوادث التاريخ المشهورة مثل طوفان نوح عليه السلام، وهو ما يمثل ثورة يناير العظيمة وعزف الكاتب فيها على الشباب الذين لم يحصلوا على شيء منها وعادوا بخفي حنين واستولى عليها من استولى من اللصوص والانتهازيين الذين هم موجودون في كل زمان ومكان.

ولا ننسى الشرارة الأولى التي أيقظت الشعوب من ثباتها إنها الثورة التونسية وجاء الأدب معبراً عنها أو منذراً بحدوث تلك الثورة وهو ما عبر عنه الكاتب التونسي شكري المبخوت في روايته ” الطلياني” وكان الوطن في هذه الرواية هو اللغة العربية التي تعرَّت عن المحرمات لتصف الجسد والعشق والثورة والهياج الوطني مع عبدالناصر الطلياني اليساري في الجامعة ومحبوبته زينة، حيث تحكي الرواية قصتهما معاً فعبدالناصر هو ذلك الفتى الوسيم وسمي بالإيطالي لوسامته وهي تلك الفتاة الثائرة، التي عشقت فكر الحبيب بورقيبة الباحث عن الحرية والذي أعطى النساء حقوقاً أكثر من الرجال، جاءت تلك الفتاة من الجنوب متأثرة بذلك الفكر الثوري، فأصبحت الرواية تسرد مرحلة فاصلة في تاريخ تونس وهي المرحلة التي تلت الحبيب بورقيبة وصولاً إلى إنقلاب بن علي، وهو ما وصفه الكاتب حين حدث الانقلاب شبهه بانقلاب العاهرات وكانت شخصية نجلاء هي المحور في ذلك فقد كانت تعشق عبدالناصر البطل وقت أن كان متزوجاً من صديقتها زينة والغريب أنها تتركه لتصبح عاهرة في الوقت الذي يأتي فيه بن علي للحكم. وقد تناول الكاتب في هذا العمل الخالي من الخيال طموحات جيل كامل نازعته طموحات وانتكاسات ما بين صراع الإسلاميين واليساريين، علماً بأن فكرة الرواية قد استلهمها الكاتب من ثورات الربيع العربي والتي بدأت ببلده تونس وظلت مشتعلة حتى الآن، والرواية من الوجهة الفنية هي رحلة في عالم الجسد والثورة والانتهاك والانتهاز وكانت لغتها لغة مدهشة صورت المشاهد تصويراً رائقاً.

المنفلوطي

 

 

لحظة اغتصاب زينة في رواية “الطلياني” هي اغتصاب للوطن فالوطن لم يدر من يخطط لإسقاطه، كما الحال عند زينة لم تدر من فعلها معها وهي في ظلام الليل” أحست ليلتها أو فجرها أو قبيل الفجر بسكين من لحم يخترقها من الخلف متجها نحو الدبر مرة والقبل مرة أخرى. كانت السكين ينزلق بفعل الزيت الذي دهنت به أو بفعل ماء آخر سال من السكين أو بفعل الدم الذي نزف منها ووجدته على ملابسها وفوق الحصير حين استفاقت. لم تصدق. أرادت أن تلتفت، أن تصرخ، أن تبتعد بجسمها ولكن السكين كان صلباً قاطعاً يتحرك داخلها كالمنشار. يد على فمها تكتم أنفاسها تمنعها من الصراخ والأخرى تلصق رأسها بالحائط حتى تشل حركتها”.

قد يكون هذا المشهد أو المقطع السردي من أصعب مشاهد العمل على القارئ المتعاطف مع زينة/ مع الوطن؛ حيث كانت الصاعقة الشديدة على تلك الفتاة الضعيفة والتي لم تستطع الصراخ أو الاستغاثة، ولم تدر من فعلها معها لأنه هرب ولم يمكنها من التعرف عليه، أفاقت على ذعر مشلولة حركتها كحال الوطن حين يموج بالأفكار الهدامة التي تهدم ولا تبني، فيغتصب من أقرب الناس إليه يقول الكاتب: “فهمت أن أمراً معيباً حدث. يا للفضيحة! هل تصرخ؟ و من وراءها، من صاحب السكين؟ أبوها؟ أخوها؟ شخص آخر. لكن الرائحة تعرفها، رائحة السنابل والتراب. مزقها الألم. أصبحت كالبكماء أحست بدمع حار يسيل على خديها، غابت عن الوعي من شدة الصدمة. لم تصدق. أكابوس هو أم حلم يقظة؟”.

شكري المبخوت

 

 

نلاحظ أنها تعرف الرائحة فالمغتصب تعرفه، تعرف هويته ولكنه أحياناً يختبئ وراء الحائط حتى لا يراه أحد يعمل دائماً في الظلام مثل حال اللصوص وسارقي الأوطان، أفقدها أغلى ما تملك مثل أولئك الانتهازيين الذين أرادوا السطو على الوطن واقتلاعه من جذوره إنهم الخونة الذين يعملون لصالح الغير وهم موجودون في كل مكان وزمان. يقول الكاتب :” زهرة خسرت بعض بتلاتها ويضوع منها الوجع والقهرو..” ما هذه السوداوية لقد انتهى كل شيء لا بد من الانطلاق من جديد معي.. معاً” . وكانت مواساة عبدالناصر لزينة مثل من يريد لوطنه النهوض ويحاول بقدر المستطاع أن يساعده خاصة في تلك الأزمة الخانقة، ويحدث حوار وكأنه بين الوطن والمخلصين للوطن، تقول له زينة: “هذا من باب الشفقة… على البروليتاريا الجنسية”. ” من أين تأتين بهذه الأوهام. لا احتقار ولا شفقة. أنا أحبك، والحب سخاء وعطاء .. علينا أنتِ وأنا، أن نعيد كتابة تاريخ جسدينا.. سنكتبه معاً بإرادتنا، بقوتنا الروحية.. أنت قوية يا زينة، صمدت وأرى الأفق واسعاً ممتداً”.

من هنا فإن الرواية العربية في المرحلة الرابعة أصبحت أكثر قرباً من الحياة ومعبرة عنها بكل أطيافها وكذا الأحداث العضال التي تعيشها الأوطان بطريقة أدبية رهيفة وأصبحت الرواية هي الديوان المعبر عن الآمال والآلام، فكان حقاً علينا أن نحكم على هذا الزمن بأنه “زمن الرواية”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *