“ليس للمساء إخوة” بين إشراقية الصورة وصوفية العنوان

Views: 1563

د. جوزاف ياغي الجميل

 

*قراءة أولى في ديوان الشاعر وديع سعادة:

 

” ليس للمساء إخوة” عنوان كتاب للشاعر وديع سعادة. وهو عنوان قصيدة. وليست/أمست القصيدة جزءًا من الديوان.

ليس للمساء إخوة.. أيكون المساء هو الله، تجسد في مذود، من عذراء؟ والقصيدة تتجسد في ذهن الشاعر سعادة، وقد أينعت على غصن الشعر، وأصبحت ثمرة جاهزة للقطاف. 

أما قصة ربط المساء بالرب يسوع فلها تفسير. نحن نقول في التحية المسائية مساء الخير. والخير ، في بعده المطلق، هو الله. والله واحد أحد، لا تجزئة فيه، ولا إشراك. لذلك فهو بلا إخوة، أو شبهاء.

أبعد من التفسير الديني المزعوم، نقول: على أي مساء يتكلم الشاعر؟ وأجيب مباشرة: إنه يتكلم على مساء الشعر، ومساء القصيدة. وكل قصيدة تولد يكون لها  وجه كوجوه البشر. والبشر لا يتشابهون في ملامحهم. وهذا سر من أسرار إبداع الشاعر الأول، أي الله، في قصائد ديوان البشرية المبدعة، بفتح الدال وكسرها، في آن.

 

“ليس” فعل ناقص جامد. والجمع بين الصفتين فيه تأكيد حقيقة نقص النفي حيث يبدأ التأكيد. والنفي ثابت في جمود الفعل، لا تصريف فيه، ولا تشكل دلالات. نفي ناقص في زمن يخرج المنفي إلى فضاء لا متناه من الأبعاد.

البعد الأول غائية الصورة ردا على شبهة كينونة النقيض. ننفي عبر الفعل  إمكانية الشبه، في حدود الحال الشعرية التي لا تستعاد، كما في مقولة الفلاسفة إننا لا نشرب من ماء النهر مرتين. وما أبعد وجوه التقارب بين النهر والمساء، في تقارب/ تباعد المكان والزمان.

البعد الثاني إشراقية  الصورة وصوفية العنوان.  وبين الإشراق والصوفية  حلولية تبحث عن عمقها، في مكان مفتوح على المطلق، وزمان مغلق على الأزلية. فلا اكتمال إلا لوجه الله وحده. أما الوجوه الأخرى فلها نقصها وجمودها في بوتقة الحياة.

أما البعد الثالث فهو نظرة الذات إلى ذاتها وصولا إلى أبعاد يدركها الوعد بعين حيادية ولكن نسبية. وبين الحيادية والنسبية مقابلة تحاكي ما بين الأخوة من تشابه النظراء.

أبعاد قادنا إليها فعل النقص بحثا عن الكمال. ولا كمال إلا للفريد المتميز الواحد الأحد.

وشبه الجملة للمساء يقودنا مباشرة إلى الشبيه والتشبيه. وقد قدم الخبر على اسم “ليس” وجوبا، لأنه شبه جملة والاسم ( المبتدأ سابقا)  نكرة غير موصوفة.

وعنصر التعريف في المساء معرفة  في حال من الانكسار، أي الخفض. فالحرف الجار المرتبِط بالملكية يصيب زمان الوجود بانكسار مساره الزمني، حتى يكاد يتوقف عند زمن معين. فهل يصح أن نقول أيضا: ليس للصباح إخوة؟ وما العلاقة بين المساء والصباح؟

ونزعم أننا وجدنا جوابًا على هذه التساؤلات، بحجم الموازاة بين الشعر والمساء. فهما عنصران يتشابهان في الغموض، والاستتار وظلمة المشاعر لدى كل شاعر. ولا نقصد بالظلمة السواد بل إطار الاستتار والضبابية في الرؤية والرؤيا.

المساء غابة عذراء من الأحاسيس والظلال تبتلع الأشياء وتخفيها خلف أسوار لا مكانية الحلقات.

المساء إيحاء وغموض وتخيلات بلا حدود.. وهكذا الشعر، في جوهره واللباب. 

 

المساء أي الليل يتساوى فيه الحضور والغياب. وهكذا القصيدة التي تعانق سكون العين وصخب الفكر، في شمولية الفعل الشعري المسكون بعجز الكلمات عن التعبير. ولكنه عجز الدهشة والرعشة والفعل الخلاق.

ويأتي اسم الإخوة في نهاية الجملة مؤخرا في الوجوب والهمسات. إخوة جمع تكسير محطم البنية والعنفوان. جمع جوابه الإفراد، لولا رغبة نفي الأخوّة، أي الشبه عن الليل، في ظلاميته وفعل القدر. ونسأل تاليا: أيكون نفي الجمع تأكيدا لمثنى أم تثبيتا لأخ أو أخت في المفرد؟

ولماذا لم يعتمد الشاعر لا النافية للجنس الواسعة في شموليتها تأكيد النفي وعموميته؟

أما إذا فهمنا الأخوة دليل وحدة ، وشعورا بالغربة، فذلك يقودنا إلى شعور الشاعر بعجز نفسي يراود مخيلته المبدعة العاجزة عن التكيف وعالم البشر، فيتحول الوجود إلى مستنقع من الظلمات، موحش الهنيهات، مصاب بالخدر.

ليس للمساء إخوة يقودنا إلى حلولية بين الشاعر والمساء. فالشاعر لا نظير له بين البشر، لأنه يكاد يساوي رب الكائنات، في خلقه والإبداع. 

وبانتظار أن تنجلي الصورة الحقيقية عبر الديوان، وأن نعيدها إليه، عبر ما تكشفه القصائد، سنبقى نردد مع الشاعر سعادة:

ليس للمساء إخوة

بل ابنة وحيدة “عاقة”

تدعى القصيدة.

أما لماذا القصيدة عاقة، فذلك له قراءة أخرى، نعود إليها، حين نعيد القصيدة إلى الديوان، وإلى إخوتها  القصائد، في عائلة المساء/الشعر  الكبيرة.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *