“الشيخ يوسف الأسير الأزهري والنهضوي حياته وآثاره 1815-1889” جديد منى عثمان حجازي عن دار نلسن

Views: 287

 صدر عن دار نلسن للنشر كتاب “الشيخ يوسف الأسير  الأزهري والنهضوي حياته وآثاره 1815-1889” من تأليف منى عثمان حجازي، وهو بالأصل رسالة ماجستير أنجزتها الكاتبة لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ.

في ما يلي المقدمة بقلم المؤلفة: 

كثر هم الرواد الذين تقدموا شعوبهم حاملين مناهل المعرفة، ليخرجوا تلــــــك الشعوب من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة.

وكثر، أيضاً، أولئك الرواد في شتى حقول العلم والمعرفة، الذين أغفلت سيرتهم أو بخس حقهم، فنسي أمرهم، وحطّ من دورهم وقدرهم. ما عدا أولئك الذين يسعدهم الحظ، بعد مماتهم، بنفر من الباحثين ينفضون غبار الزمن من أعمال تلك الشخصيات التاريخية، ويسعون إلى إحلالهم المكانة التي يجب أن يحتلوها في تاريخ أمتهم وبني شعوبهم، ومن هؤلاء كان علاّمتنا الفقيه واللغوي، والأديب الشيخ يوسف الأسير.

لم يكن اختياري لموضوع سيرة الشيخ يوسف، وأعماله إلا نتيجة إعجاب وتقدير لتلك الشخصية الرائدة في حقل الفكر في عصر النهضة، حيث جذبتني سيرة حياته أثناء مطالعتي لكتاب “دليل معالم صيدا الإسلامية” وأعجبتني الأبيات الشعرية التي نظمها الشيخ يوسف، ونقشت على لوحة فوق الباب الأوسط للمسجد العمري الكبير في صيدا، كما لفت انتباهي بشدة السبب الذي جعله يترك التدريس في مسجد الكيخيا ويغادر صيدا ضنّاً بالعلم يعطى لغير أهله.

وعندما حاولت التعمّق أكثر في دراسة سيرة حياته وما أنجزه من أعمال، كانت دهشتي كبيرة أن أجد الباحثين قد أغفلوا سيرته وأهملوا ذكر أعماله، إلا النزر اليسير، رغم المكانة المرموقة التي احتلّها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بين رواد النهضة الفكرية الحديثة. وإذا كان ذكر الكثيرين من رواد النهضة – من جبل لبنان خصوصاً- يرد في الكتب بإسهاب، فإن ذكر الشيخ يوسف يرد في إشارة مقتضبة هنا، وخبر مجتزأ هناك.

لهذا كله، فقد عقدت العزم، أن أخوض غمار البحث العلمي، وان تكون حياة الشيخ يوسف الأسير وآثاره، هي موضوع رسالتي لنيل شهادة دبلوم الدراسات العليـا في التاريخ، قاصدة من ذلك، إحياء ذكر أحد علماء بلادنا من جديد، وإغناء المكتبـة العربية بسيرة رائد من روادّ نهضتنا الفكرية في القرن الماضي، من مدينة صيدا، إحدى مدن جنوبنا الحبيب، وبوابته المنفتحة على لبنان كله. هذا الجنوب الذي لعب دوراً مهماً في حفظ تراثنا الفكري، وفي إغناء حياتنا العلمية والثقافية، بما حفل به من علماء ومفكرين، وأدباء وشعراء، كان معظمهم رواداً في مجالهـم.

بعد ذلك عرضت الأمر على أستاذي المشرف الدكتور طلال مجذوب، فحبّذ الفكرة وشجّعني على المضي فيها، ويسّر لي ما صعب، وفتح لي ما أغلق عليّ فهمه، حتى وصلت إلى نهاية الشوط، وكان هذا البحث الذي أتقدم به اليوم.

لإنجاز عملي، قمت، خلال رحلات متعددة، بزيارة أحفاد الشيخ يوسف وأنسبائه، وكلهم يقطن في بيروت، وتمكنت من الحصول على معلومات جديدة لم تنشرها الكتب، تتعلق بتفاصيل عن سيرة حياته وبعض أعماله، ووقعت في يدي مخطوطة صغيرة تتألف من بضع صفحات تتحدث عن سيرة حياة الشيخ يوسف، بخط أحد تلامذته، وهي محفوظة لدى أحد أحفـاده.

لم يكن البحث عن تفاصيل حياة الشيخ يوسف الأسير وآثاره يسيراً، بل كان صعباً وعسيراً، فقد فتشت في مكتبات صيدا، العامة والخاصة، وفي مكتبات بيروت، وفي مكتبـة الأسد في دمشق. وتمكنت من العثور على نسخة من ديوانه الشعري، في خزائن كتـب مسجد قطيش في صيدا، كما وفقت في العثور على بعض الكتب المهمة في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت، وكذلك في الاطلاع على الصحف، التي كان يحرر فيها آنذاك، مثل ثمرات الفنون والجوائب ولسان الحال ولبنان وغيرها، وجميعها مصورة على ميكروفيلم ومحفوظة لدى مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت.

وإذا كان البحث في المصادر والمراجع يشكل، في حد ذاته، صعوبة كبيرة فإن الوضع الامني غير المستقر كان يشكّل الصعوبة الأخطر والأكبر، إذ حدث أكثر من مرة أن تساقطت القذائف على مقربة من مكتبة الجامعة الأميركية وفي حرمها، وفي كل مرة كنت ألملم أوراقي وأركض عائدة إلى صيدا، وأنا أنوي عدم العودة إلى بيروت، لكنني كنت اضطر للمغامرة، بالنزول من جديد إلى بيروت، في سبيل انجاز بحثي العلمي الذي وقفت جهدي عليه خلال السنوات الثلاث الماضية (1986- 1989).

بعد ما جمعت المعلومات، وقمت بتحليلها وصياغتها بشكلها الحاضر، تبين لي بوضوح أن الشيخ يوسف، كان عصامياً، علّم نفسه بنفسه، ولم يترك مكاناً يمكن أن يستفيد فيه علماً إلا وقصده، فدرس في المرادية في دمشق وفي الأزهر في مصر، وتعمّق في علوم زمانه فقهاً وشريعة، ولغة وأدباً، وشعراً وصحافة، وتبوّأ مناصب عدة، فاستلم القضاء والإفتاء، واشتغل مدعياً عاماً، ومصححاً في استانبول، وعمل بالصحافة وفي التدريس في أعرق المدارس وأهمهـا.

تناول بعض الدارسين، شخصية الشيخ يوسف، من حيث كونه شاعراً ولغوياً لكن أحداً لم يتطرق بإسهاب إلى الجوانب الأخرى المهمة من شخصيته الريادية في الفقه والصحافة والتعليم، وفي أفكاره التي نشرها خلال حلقات التدريس التي كان يعقدها، أو على صفحات الصحف التي كان يحررها، بالإضافة إلى ما تركه من أثر مهم على جيل بأكمله، تتلمذ على يديه، أو قرأ له، أو تأثر به، من خلال مساجلاته ومحاوراته مع رصفائه من العلماء والمفكرين، أمثال الشيخ ناصيف اليازجي وسعيد الشرتوني وأحمد الشدياق، وغيرهم.

كما لا يخفى أثره على عدد كبير من الأجانب، خصوصاً بين المبشرين والمستشرقين منهم، حيث تعلم العديد منهم اللغة العربية على يديه، واستمعوا إلى آرائه وناقشوه في أفكاره وتأثروا بها، وتعاونوا معه، وهو الفقيه المسلم، في صياغة الترجمة العربية للكتاب المقدس، وفي نظم العديد من الترانيم الدينية المسيحية، لإنشادها في الكنائس الإنجيلية.

وسلطنا الضوء، كذلك على المكانة العلمية والأدبية، وعلى الاحترام والتقدير، اللذين تمتع بهما الشيخ يوسف، حيثما حلّ وارتحل، سواء في دمشق أو طرابلس، أو في القاهرة أو استانبول، أو في بيروت وجبل لبنان، أما عدم استحسانه التدريس في صيدا، مسقط رأسه فلعلّ ذلك يوافق القول الشهير، إلى انه “لا كرامة لنبي في وطنه”، رغم أن الشيخ يوسف خلال إقامته الدائمة في بيروت، كان شديد الاهتمام بشؤون صيدا وأهلها، ولم تنقطع الزيارات بينه وبين العديد منهم.

قسمت رسالتي هذه “الشيخ يوسف الأسير حياته وآثاره (1815-1889) إلى خمسة فصول، إضافة إلى المقدمة.

تحدثت في الفصل الأول عن عوامل النهضة السياسية في بلادنا في القرن التاسع عشر.

وتناولت في الفصل الثاني، العوامل الثقافية والفكرية التي سادت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأثرها في حياة الشيخ يوسف.

وفي الفصل الثالث، سلطت الضوء على نسب الشيخ يوسف ونشأته وبيئته وظروف دراسته ورحلاته، وأبرز صفاته ومزاياه، وأسرته.

وفي الفصل الرابع، عرضت للجوانب المختلفة من شخصية الشيخ يوسف، تلـك التي جعلت منه لغوياً ضليعاً وقاضياً عادلاً وفقيهاً متعمقاً، وصحافياً ذائع الصيت، وشاعراً مجيداً، وأستاذاً تتهافت المدارس على إلحاقه بهـا.

وفي الفصل الخامس، تحدثت عن أفكار الشيخ يوسف وآرائه في السياسة والإصلاح وفي الدين والمجتمع، وفي اللغة والأدب، والدور الذي لعبته كتاباته في نشر المعرفــــة والعلم، وفي دفع النهضة الفكرية في بلادنا، أواخر القرن التاسع عشر، إلى الأمام.

كما ذكرت آثاره التي تركها مخطوطة ومطبوعة وأهم محتوياتها والغرض مــــن تأليفها أو شرحها والتعليق عليها.

وألحقت في نهاية الرسالة بعض الملاحق المفيدة لمزيد من الاطلاع لمن يرغب، وثبتا بالمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في إعداد هذا البحث، ومنها المقابلات الشخصية في صيدا وبيروت، التي أسهمت كثيراً في سد الثغرات والنواقص في المعلومات التي كانت لديّ.

وأخيراً آمل أن أكون قد وفيت البحث حقه، وأعطيت الشيخ يوسف الأسير بعض مـا يستحقه من تقدير.

صيدا، الأول من كانون الأول 1989

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *