نزيف الهجرة اللبنانيّة ينذر بوقوع كارثة اجتماعيّة

Views: 686

ليلى الداهوك

 

 في ظل التزايد المضطرد لعدد اللبنانيين طالبي الهجرة وتخطيه اجتماعيًا للخط الأحمر، “الهجرة حل أم هروب؟”، سؤال طرحناه على الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، والأديب د. محمد إقبال حرب (الذي سبق أن إختبر الهجرة)، والفنانة نجوى كرم، وعدنا بالأجوبة الآتية حول أسباب هذه الظاهرة الخطرة وتداعياتها:

                                                                 

البروفيسور جاسم عجاقة

 

أ.د. عجاقة: مقبلون على كارثة إجتماعية نهايتها فوضى أمنية

بداية كان اللقاء مع الباحث الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة الذي أكد أن: “الهجرة ظاهرة طبيعية غالبا ما تكون رد فعل على الأسباب الاقتصادية، وبما أن تاريخنا دموي، تتخلله العديد من الحروب التي تحمل إنعكاسات كبيرة على الوضعين الاجتماعي والإقتصادي، فقد عانى لبنان مرات عديدة من الهجرة، كان أشدها بداية خلال السبعينات، ثم مع إنتهاء الحرب الأهلية وإعادة الإعمار شهدنا عودة بعض المغتربين حتى بداية الأزمة السورية وتراجع الوضع الاقتصادي، حيث عادت نسب الهجرة إلى التزايد بأعداد هائلة، بدأت سنويا بأربعين ألفًا ووصلت السنة الماضية إلى 50 ألفًا. أما هذا العام فكان من المتوقع أن تصل إلى 80 ألفًا قبل بداية الأزمة التي تبعها الإنفجار”.

 وأشار عجاقة إلى أننا على أبواب إشكالية كبرى، إذا كان ما سمعه في الإعلام صحيحا بأن السفارة الكندية فقط تلقت 380 ألف طلب هجرة، وبحسب الملاحظ أن القسم الأكبر منهم من المسيحيين والقسم الثاني من الإسلام السنة، مما يعبر عن تآكل الوضع الاقتصادي. إضافة إلى أن إنفجار المرفأ أعاد إلى الواجهة الواقع الأمني السياسي الذي يفقد المواطن الإحساس بالأمان. فكيف إذا نظرنا إلى إنفجار المرفأ الذي لم يكن عاديا بل شكل جريمة مروعة بما سببه من خراب وقتل وتداعيات. إذا وبرأي عجاقة الهجرة هي أصدق دليل على المشاكل التي يعاني منها البلد وعلى الخسارة التي يتكبدها نتيجة هجرة أبنائه من اليد العاملة، التي تشكل عاملا مهما من عوامل الإنتاج، فهؤلاء الشباب سيكونون عامل إنتاج في إقتصاد آخر ويساهمون في تطور إقتصاده، كذلك خسارة الأدمغة المكلفة جدا: “وبالتالي شئنا أم أبينا سنتحول إلى إقتصاد ريعي يقوم على تحويل الأموال إلى لبنان من أبنائه المهاجرين”.

وقال بروفيسور عجاقة: “برأيي الشخصي أميز بين أمرين، الأول كفرد أفضل بناء مستقبلي في الخارج والعيش بأمان، الثاني كإقتصادي أدرك النتائج الخطرة للهجرة والكارثية على لبنان، ولكني في الوقت نفسه لا أستطيع الوقوف في وجه الشباب لبناء مستقبلهم والعيش بكرامة وأمان. في المقابل آمل أن يساهم الجيل القادم بإحياء لبنان إذا إهتدى الساسة في لبنان ووضعوا نصب أعينهم مصلحة بناء لبنان أولا”.

وفي سؤال حول كارثة إقتصادية مرتقبة؟ أجاب عجاقة: “حين تحل اليد العاملة الأجنبية مكان اللبنانية  في مجالات إعادة الإعمار يعني ذلك أن الشباب اللبناني لن يستفيد في تأمين فرص عمل والبقاء في أرضه، كذلك لن يستفيد لبنان من المال المستهلك فيه ليصبح بمثابة وقود للأقتصاد، فالعمال الأجانب سيحولون أموالهم إلى بلدهم. وبحسب تقديري فإن إعادة بناء الإقتصاد ستحتاج إلى حوالى 200 ألف عامل وما فوق، يكون القسم الأكبر منهم يد عاملة ونسبة بسيطة من ذوي المستوى العلمي العالي كالمهندسين وغيرهم، وهنا نفتح آفاقا كبرى للتوجه نحو التعليم التقني، فاليد العاملة المؤهلة ثمينة جدا وكل عمل له طريقة في التطبيق. أما العمال المياومون غير اللبنانيين، الذين نستعين بهم، فهم بأغلبهم غير مؤهلين. من هنا نلاحظ الفوضى العارمة في البناء وتنظيمه. وأنا لا أوافق الرأي القائل بأن اللبنانيين لا يوافقون على العمل في البناء أو في محطات البنزين، فهناك الكثير من اللبنانيين على إستعداد، ولكن لا تتم الإستعانة بهم”.

وردا على وجود بصيص أمل أو نور إقتصاديا؟ أجاب عجاقة: “بالطبع لا، فعند ملاحظة خريطة ارتفاع سندات اليوروبوندز وانخفاضها، نكتشف العلاقة المباشرة للأحداث السياسية في لبنان، مثل إستقالة حكومة من هنا وإنتخابات من هناك، وتراشق السياسيين عبر وسائل الإعلام من هنالك، ومرسوم التجنيس وغيره. ونلاحظ أن أي تصريح سياسي شديد اللهجة أو يحمل صراعا ما ينخفض على إثره سعر اليوروبوندز، مما يعني ارتفاع الفائدة وتكبد الدولة الخسائر، من هنا أؤكد إن الطبقة السياسية في لبنان تتقن الفن السياسي بغض النظر عن النتيجة ولكنها تفتقر إلى الوعي الاقتصادي الكافي لأهمية الاقتصاد”.

“إذا نحن نقف أمام أزمتين أزمة مالية وأخرى إقتصادية، المالية معالجتها تتم بتطبيق الإصلاحات أما الاقتصادية  فمعالجتها ببناء إقتصاد، وهذا الأخير يتطلب العمل على إزدهار قطاعي الصناعة والزراعة مما سيؤدي بالتأكيد إلى إنخفاض نسب الهجرة. وهنا لا بد من التطرق إلى الشق الثالث المهم للإقتصاد وهو الخدمات، وهذا الأخير صورته سوداء في لبنان.

 فالتجار في لبنان سوّدوا وجهنا، بدل أن يكونوا الصورة البرجوازية الراقية الثقافية للبنان أصبحوا الصورة السيئة التي تتحكم برقاب الناس من هنا إذا ركزنا على الزراعة والصناعة نخفف من قيمة ودور التجارة في خريطة الاقتصاد”.

أخيرًا، أكد عجاقة أنه “إذا لم تتم الإصلاحات ولم نبن الزراعة والصناعة، فنحن قادمون إلى كارثة إجتماعية نهايتها فوضى أمنية وستتحول إلى دولة متفلتة أمنيا مثل البرازيل تسود فيها السرقة والقتل من دون حسيب أو رقيب، فجارك في أي مكان ومن أي طائفة إذا كان جائعا وشاهدك تأكل سيهجم ويسرقك والقوى الأمنية بعديدها لن تستطيع حصر الكم الهائل من السرقات، إضافة إلى أنها بحد ذاتها ستعاني من المجاعة فعناصرها مواطنون أيضا”.

نجوى كرم

 

الفنانة نجوى كرم: “متشبثة بلبنان وأدعمه بكل قوتي”

الفنانة الكبيرة نجوى كرم قالت: “أنا ضد الهجرة من لبنان، لأنه في نظري يبقى شابا في أول عمره وهو بحاجة للإحساس الدائم بصباه من خلال أجياله الجديدة، الصبايا والشبان الذين يولدون فيه ويقومون بتجديد خلاياه وتكريس أدمغتهم ومعرفتهم وفكرهم وثقافتهم وحضارتهم وكل ما إكتسبوه منه له، فلبنان أهم بلد وحضارته كانت “أم الحضارات”. لبنان كان وما زال “أحلى شبوبية” ترتدي أجمل الثياب في شخصية ذكية وحضور لافت ومميز، وأجمل مناخ، هو محطة لغيرة كثيرين. هذه رؤيتي للبنان بأبنائه ولكني من ناحية أخرى أعذر أولاده عندما يفكرون في الهجرة، لأن القيمين عليه لا يستطيعون تأمين العيش الكريم والوظائف لشبابه كي يستطيعوا توظيف قدراتهم العظيمة الموروثة من بلدهم العظيم”.

“أما بالنسبة إلي، وبشكل خاص، فباقية متشبثة بأرض بلدي لأمنحه كل الحنان الذي يحتاج  إليه، كي يبقى ويستمر، فالولد لا يكبر من دون حنان أمه، والمسن لا يستطيع الرحيل بأمان وسلام إلا في كنف العائلة التي رباها، وأنا سآخذ على عاتقي كل الأدوار من أجل بلدي لبنان”.

د. محمد إقبال حرب

 

د. محمد إقبال حرب: عندما يطرد الوطن أولاده يشعرون بالعبودية ويفتشون عن أرض أخرى

الروائي الدكتور (أخصائي البصريات) محمد إقبال حرب والمنسق العام للهيئة التنفيذية للثقافة في منظمة المتوسط لتنمية الثقافات، الذي إختبر الهجرة بكافة ابعادها ثم عاد وإستقر بإصرار في وطنه لبنان، تساءل: “ما الذي يجبر الإنسان أن يكون عاقًا في وطنه وأسرته؟ ما الذي يدفعه للهجرة؟ فالهجرة انفصال عن الأسرة والوطن في آن؟ أليس غريبًا أن يتخلى الإنسان عن وطنه باسم الهجرة؟ أليس غريبًا أن يعرض المواطن نفسه للتبني من وطن آخر ووطنه على قيد الحياة؟هل وطننا على قيد الحياة؟”

وأضاف: “عندما يُصبح الوطن طاردًا لأبنائه، عنصري التعامل معهم، يدمغ جبين مواطنيه بأختام الطائفية ويوزعهم على الأسياد سلعًا يصبح المواطن عبدًا، يفقد حريته وشخصيته. تتقطع الأواصر ويشعر المواطن بالعبودية واليُتم. ومن كان عبدًا أو يتيمًا لا بد أن يسعى للحرية أو لإيجاد أرض ما تتبنا”ه.

“لكن هل الهجرة حلً لمواجهة الوطن الطارد بطائفيته ومحاصصته وما ينتج عن ذلك من فاقة ومعاناة؟”.

“من تجربة شخصية دامت أربعة عقود أستطيع أن أشارككم زبدة غربتي. غادرت بسبب الطائفية والمحاصصة وانعدام الفرص الواعدة لمن يتبنى فكرًا علمانيًا”.

“من ميزات الغربة في بلاد الغرب، وجود القانون الذي يحترم الإنسان، ويفتح الفرص للراغبين في العلم والعمل لتحقيق آمالهم وطموحاتهم.لذلك من يذهب في سن مبكرة ويرغب بالاندماج الكلي بقرار قطع صلة التواصل لن يواجه عقبات تذكر أكثر من أهل البلد الذي هاجر إليه. لكن من يذهب في مرحلة النضوج لن يصبح جزءا من المجتمع الذي هو فيه مهما حاول لأن وطنه وذكرياته تمكنت من أصول عقله الباطن. وإن أراد أو قرر العودة إلى وطنه مهما كان ناجحًا علميًا وماديًا سيصطدم بالواقع المر. سيجد نفسه غريبًا في وطنه، كل شيء تغير، وهو تغير أيضا، لكن في اتجاه مختلف كليًا عن أهل البلد. سيبدأ رحلة جديدة في تكوين دائرة معارف جديدة تصطدم بعقبات كثيرة أقلها الشعور بالغربة في وطنه. في لبنان عدم الانتماء السياسي أو الطائفي يخلق أعداء كثر. وكذلك الحياد أو العلمانية. وسيحتاج المهاجر العائد إلى وقت طويل ومعاناة حتى يستقر فكريًا وعاطفيًا. وهذا صعب جدًا في حقبات العمر المتأخرة”.

“في الخلاصة، من يريد أن يترك وطنه وأسرته ومعارفه إلى الأبد فليهاجر. أما من يخطط ليعود بعد أن تهدأ الأوضاع، فأعتقد جازمًا أن بقاءه في عين العاصفة أكثر جدوى ومنفعة على المدى البعيد. سيعاني في حربه ضد الفساد بأنواعه حتى يسترد وطنيته وانسانيته ويحقق أحلامه بقوة العمل والنضال المشروع بأنواعه”.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *