شارع الحمرا

Views: 853

سليمان بختي

يعيش شارع الحمراء اياما بائسة لا عهد له فيها. شارع الالوان اصبح رماديا. الشارع الذي كانت كل دروبه تقود الى البحر تقطعت به السبل. غدا مغلقا على اهله ورواده وشهوده. شارع الـ 150 شجرة و68 عمود انارة والجداريتين لصباح وللنشيد الوطني ومقاهي الرصيف التي تناقصت ثم فرغت. شارع علته التواصل والتفاعل والتلاقي اجهزت الجائحة على الاسباب او كادت. وصار معلقا كإطار بلا صورة او ملامح. كأن بيننا وبين شارع الالفة مسافة لا مرئية وهوة من الغربة.

 

الشاعر بول شاوول يمشي في الشارع مصرًا ولا يجد الناس. يرى اليمام الذي احتل الشارع. اكتشف شاوول  ” ان اليمامة  تمتلك 4 نوطات موسيقية، واكتشف ان الشجر الاخضر هو الشيء الوحيد الحي. الحياة مقابل الموت والخراب”. ويسأل:” هل صار شارع الحمراء على آخر انفاسه؟”.

بول شاوول

 

تمشي في الشارع وتسمع لسقوط ورقة الشجر جلبة. وبين دفتيه لهاث حار،  وفي زوايا الشارع يرابط المتسولون باصرار عجيب. ينتظرون قساة القلوب. ينتظرون قوتا يهبط كالدعاء. كل الابواب موصدة، المطعم والمقهى والفندق ودار السينما والمسرح والمكتبات والجريدة والجامعة ودور النشر والمطبعة  حتى جرائد الرصيف.

فيروز

 

فيروز تقول: “كل البواب مسكرة/ هيدا الهوى يا قمرة/” هذه بيروت تدخل في الحجر والناس الى الجحر. تحاول ان تستأنس بماضي الشارع الجميل وحركته لتشيل عن كاهلك وطأة. ترى مبنى النهار القديم ومكتبة الدار عند المدخل وتلمح وجوها مؤنسة غائبة وحاضرة. وزمن تناثر كالحروف الذهبية عند مدخل البناء المقفل.

عاصي الرحباني

 

وتفكر كيف يمكن ان يرسم الفنان الراحل امين الباشا “عاشق بيروت” شارع الحمرا الآن؟ واين يضع العصفور؟ تغذ السير وتؤثر وانت خلف الكمامة ان تنأى وتبتعد عن كل شيء يتحرك.

أمين الباشا

 

في هذا الشارع كتب محمد الماغوط “بيروت قارة، وبين الحمرا وجندارك مشينا الاف الكيلومترات”.

محمد الماغوط

 

في هذا الشارع رأيت عاصي الرحباني يخرج من مسرح قصر البيكادللي بقبعته السوداء. يلاحق الاغاني والغاباب واللفتات. وشاهدت فيروز تدخل مسرعة وتخطو على السجاد الاحمر. هنا كان يغشى المرء من الضوء، من الهواء النضر، ومن الفرص والمواعيد، ومن المفاجآت الجميلة.. كانت بيروت حمراء الوجنتين على ما يقول الشاعر شوقي ابي شقرا. وكانت تنتظرنا كل يوم، على المفارق والزوايا والامكنة. ولم نخذلها ولم تخذلنا. وكنا نأتي لاننا كنا نحب. والحب كما يقول شكور في مسرحية “ناس من ورق” “الحب بيسكن وما بيعود يروح”.

شوقي ابو شقرا

 

بعد كل ذلك نذرف شوقنا. نشتاق الى جمالات الصحو، الى صباحات الامل المغرية برائحتها وعبيرها ومذاقاتها، الى الوجوه “المخباية” وراء البسمة. نشتاق الى محو الظنون كلها. نشتاق ان تمطر على ثيابنا الحياة. ولكن اين بيروت المنورة باهلها بزخم الحياة الذي يشبه رقصة النار. اين المدينة التي علمتنا حب الحياة؟

 

آه، ماذا يفعل المرء عندما يجفل او يخاف من آخر النفق؟ من نهاية المشوار؟  من نهاية الصيف؟من كل الذين ماتوا فينا ولم نودعهم؟ يحاول ان يجعل من الحب ريحا طاردا لكل خوف، لكل خاطر غامض، لكل اسى لا يحتمل.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *