همسات  خافتة… في قصيدة أمل ناصر “ليس الزمان”

Views: 1072

الدكتورة رفيقة بن رجب

(الأكاديمية من الجامعة الأهلية –  مملكة البحرين)

 

ليس الزمانُ وإنْ طالَ يداوينا

یا حبُّ ساعة أُنْسٍ من مواضينا

فالقلبُ ما زال رغم الحادثات به

 حبًا يزيد لطولِ البعد تمكينا

والنفس ما زالت الأحلامُ تطربُها

سيل الدموع فتأبى أن تواسينا

 والدهر إن رامَ ضعفًا زاد قسوته

 وكم تفنَّنَ في بؤس المحبِّينا

هي الحياة فإنْ زدنا بها شغفًا

 زادت بمحنتنا حتى تلاشينا

كم مرةٍ  قد رجوناها مؤازرةً

 وكم سكبنا دموعًا في ترجِّينا

وكم بيوم النوى صغنا لها جُمَلًا

من عسجَد القلب ندعوها لتُبقينا

فأبعدتنا وعنَّا أعرضتْ ، وغدتْ

  لم تأتِ إلا من المأساة تُدنينا

ماذا تؤمِّلُ في الدنيا وبهجتِها

وبعد ما فجعتنا في أمانينا ؟

هل غيرُ لذةِ حلمٍ نستلذُّ  به في

  ذي الحياة ، وفي الأُخرى يعزِّينا

 فمتِّعِ النفسَ بالأحلام .. هيَّا انتظرْ

يومًا يضمُّ ظلام القبرِ أيدينا

 فنلتقي رغم أنفِ الحادثات ، وما

 ألذَّ يومًا به يُرجى تلاقينا

 لذا فنحن بهذا الحبّ في فلكٍ

 ما للزمان يدٌ فيه فترمينا

 فلْيظلُمِ الدهرُ ما شاءَتْ نوائبه

فحُبُّنا خالدٌ ، والله  يَحمينا

                               أمل ناصر

 

 

الشاعرة أمل ناصر

 

انساق ممنهجة ذات مقصدية وثبات تقربنا من رائعة ابن زيدون :

أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا مفردات تنتظمها جملة من البني الموظفة بمقاييس تحققت فيها المثاقفة والزخم الذي انبثق من تجربة قرائيه عكست لدى شاعرتنا أمل ناصر منظومة الخطاب المفتوح الذي لامست فيه برفق القافيه النائيه الجميله انه هاجس رائع استنزف لديها الطاقة التحفيزية باحترافية واقتدار.:

ليس الزمان وإن طال يداوينا

ياحب ساعة انس من مواضينا

 

كم هو جميل أن يستقي الشاعر المتمكن  قراءاته وابجدياته  من أمهات الكتب و روائع النصوص لرجالات عرفوا بفصاحة الكلام وبلاغة البيان .

 فالزمان هنا يخرج عن إطاره الاعتيادي ويفاجئنا بإطار مختلف  وهو عدم قدرته على مداواة الجروح الأليمة  فالقلب لا يزال ينزف والأحلام ما فتئت معلقة لا قدرة لديها على المواساة.

 

والنفس ما زالت الأحلام تقربنا

سيل الدموع فتأبى ان تواسينا

 

هنا نشيد و باعجاب بظاهرة استنطاق النص والرغبة في  استقراء دواخله بأسلوب فاعل بين النص والواقع المعاش وهذا ساعد لاشك على تشكيل الهوية المتأرجحة بين الذات والآخر لتعمل جاهدة على كسر الأسلوب النمطي التقليدي بحثا عن القراءة التأويلية الجديدة بوضع اللمسات الرمزية لاستجلاء المخفي عن الأنظار بغية تسهيل الدخول إلى  أعماق النص فالرجاء لازال مستمرا والدموع لا تتوقف .

 

هي الحياة فإنْ زدنا بها شغفًا

 زادت بمحنتنا حتى تلاشينا

كم مرةٍ  قد رجوناها مؤازرةً

 وكم سكبنا دموعًا في ترجِّينا

 

تقاسيم خفيه أجدها تتوازن ايجابيا مع فنتازيا الحكم المتجددة والتقنيات المحبوكة التي باتت تعزز فرضيات شائكة في هذه الحياة الصعبة وعلاقات متأزمة غائبة حاضرة لا نراها بوضوح رغم كل التوتر والقلق الذي كسر حاجز الصمت الداخلي المتماهي مع عسجد القلب والمآسي والنوى والفراق :

 

وكم بيوم النوى صغنا لها جُمَلًا

من عسجَد القلب ندعوها لتُبقينا

فأبعدتنا وعنَّا أعرضتْ ، وغدتْ

  لم تأتِ إلا من المأساة تُدنينا

 

تصوير لواقع مرير يخرق البنية التركيبية بمحطات مجازية تتواشح مع المواقف المنبثقة من ذروة الاحساس اللفظي والمعنوي لتلقي بنفسها وبكل عنفوان في احضان تناقضات الحياة ومفارقاتها للبحث عن المعادل الموضوعي للخضوع الى خارطة المعطيات حتى تصل بنا الى اختراق العلامات التي تنداح عبر كل ما تجده الشاعرة من  رغبة سامقة للوصول إلى الهدف اعتمادا منها على ثقافة المتن الشامخ الذي ربما تستقيه من كونها إعلامية رفيعة المستوى لديها  خبرة  في صياغة الحوارات  إعلاميا حتى تتماهى مع ضيفها  بأسلوب  لا تميز فيه انت كمتابع بين المتحدث والمستضيف وهذه قمة الاحترافية.

 

وهذا لاشك ينعكس على أدبياتها المتمثلة في الشعر والقصة وسواها وتسترسل شاعرتنا في قولها:

 

هل غيرُ لذةِ حلمٍ نستلذُّ  به في

  ذي الحياة ، وفي الأُخرى يعزِّينا

 فمتِّعِ النفسَ بالأحلام .. هيَّا انتظرْ

يومًا يضمُّ ظلام القبرِ أيدينا

 

لقد صدق من قال إن من الشعر لصنعه لمن يعيد دواخلها و يسيطر على ما بين سطورها بتمعن ودقة نعم اساليب متنوعة بين الخبر والانشاء بين الاستفهام والنداء بين الأمر والاشاره وكلها مفارقات مجازية توظيفية لم تأت لكي تسد فراغا بين المفردات والمضامين بل هي حزمة دلالية ذات ابعاد اجدها ايدلوجية تخدم النص وتقدمه للحياة  بأطر جدلية حائره.

 وبين قبول الحياة ورفضها وبين الفراق والتلاقي بين اللذة والالم  تتسارع الأحداث والمفاجآت التي تجاوزت به شاعرتنا  لا شك  المناوشات السطحية والهشاشة الى رؤيه غرائبية رغم تداعيات الخطاب الجمالي لديها ورغم تغلغلها في عمق الصورة الحجاجية المؤطرة بالتناقضات الغريبة بين الموت والحياة لتعبر عن المسكوت عنه بقولها :

 

فنلتقي رغم أنفِ الحادثات ، وما

 ألذَّ يومًا به يُرجى تلاقينا

 لذا فنحن بهذا الحبّ في فلكٍ

 ما للزمان يدٌ فيه فترمينا

 

هنا تتجلى ثقافة الشاعرة التي مازالت تدور في فلك المجهول في متاهات عميقة واشراقات تحدت بها غياهب المستحيلات للوصول الى السلم القيمي دون الخروج من دائره التذوق الجمالي لمجريات الفلسفة النقدية .

ان شاعرتنا تبحث عن معيار لقياس هذه المتناقضات دون تشويش متحدية كل الأعاصير.

 فالحب لديها يدور في فلك المجهول ولا بد للزمان من إيقافه ولكن دون مقارعة الخطاب بالخطاب ودون ايضا الانعتاق من النمطية الخطابية  لقلب الموازين شاعرتنا لديها تأسيس للخطاب الفكري الذي يرفض بأي حال القضاء على المعطيات التي تربط بين الرموز الثقافية والشفرة النصية بغية منها لترسيخ الجذور النسقية التي بذلت مجهودا حسيا وجماليا  لاستمزاجها حتى اكتمال اللوحة الفنية التي ظلت تتحرك في نطاق الفكر الذي يظله  نسيجا من المتن الشعري المبني على تجربة شعرية عميقه وطويله باستخدام الحروف الارستقراطية التي تدندن بها وتضع بكل اعتزاز اكليلا مزركشا على خمائل القوافي  وختمتها بحكمه واعيه تتخللها لام الأمر التي اعطت  الحكمة كاريزما تحديثيه تخطت بها عينات الخطاب المعرفي الى الخطاب الجمالي  الذي يعزز من علاقات الحضور والغياب في ان واحد وتختم بقولها :

 

فلْيظلُمِ الدهرُ ما شاءَتْ نوائبه

فحُبُّنا خالدٌ ، والله  يَحمينا

 

نهاية تحمل أيقونة  من الابداع الحكم الفلسفية المبنية على استراتيجية رصينة لا يمكن اقتحامها

فهي ذات سور عال محاطة  بجملة من الثوابت  وتلك هي اللحظة التاريخية المنتظرة.

فهل يا ترى جاءت لكي تمهد لمنعطفات جديدة ؟؟؟؟؟؟.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *