البحث عن “المكان”

Views: 351

د. جان توما

ضاع “المكان” بسبب الحروب والقلاقل والبحث عن فرص العمل. قال أجدادنا: “مطرح ما ترزق إلزق ( إلصق)”، وما خطر ببالهم العمل خارج حدود الحيّ، أو المدينة، أو القضاء، أو الجوار أو حدود الوطن.

سألني طالب عن عنوان لبحث طريف، فقلت له: ابحث عن “مكان” ولادة أطفال لبنان منذ العام ١٩٧٥ إلى يومنا. لقد ضاع “مكان” الولادة، لم يعد “مسقط الرأس” يعني الانتماء. ضاع جيل أطفال لبنان في ” المكان” البعيد والمختلف. ابحثوا عن” مكان” ولادتهم في هويّاتهم فستجدون ” مكان” الغربة واضحًا.

إنّ الحرب اللبنانيّة وتداعياتها على الأوضاع الاقتصاديّة المعقّدة والانهيار استجلبت إلى “المكان” المحليّ ” أمكنة” ما كانت موجودة في السجل العائليّ أو الفرديّ. لم يبق من ” المكان” إلًا رقم السجل و” مكانه”، أمّا تعبير مكان “مسقط الرأس” فَقَدَ مضمونه، وصار حبرًا على سجل وهويّة.

من الممكن انطلاقًا من وقوعات أمكنة ولادة أطفال لبنان منذ العام ١٩٧٥ وضع خارطة الانتشار اللبناني أو ” أمكنة”الشتات الوطني، وكشف مدى التأثر بالمجتمع الذي يعيشون فيه من خلال دراسة الأسماء، سيميائيًا ورمزيّا وواقعيّا، إضافة إلى انتقاء طقوس التحضير للولادة وأثنائها وما بعدها، بعاداتها وتقاليدها كما عرفناها وعشناها.

 لكن ” المكان” في النهاية هو الحضور الإنسانيّ فإن قَبَّلَ ” قيس بن الملوّح” حجارة الدار ، قديمًا، فليس لذاتها، بل حبّا ” بمن سكن الديارا”، إذ مهما تعدّدت الأمكنة والديار، فالمطلوب  وجه مَنْ سّكَنّ” المكان”والدار.

اللوحة للفنان حبيب ياغي ‏The joy of the party Oil 70 x60

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *