جسور الرجاء

Views: 974

فيصل طالب

(المدير العام السابق لوزارة الثقافة)

 

لِمَ حلّ الغبارُ، وسادَ الرماديّ، وتلاشتْ بقيّةُ الألوان التي غمرتْ آفاقَ الرؤى، وتراءتْ أطيافُها القُزَحيّة على أثير الرجاء المسافر إلى مقاصد النجاة؟!

لماذا استكانَ النبضُ المتعثّرُ في حفرة النكوص، ولم ينتفضْ كرعشة البكاء على ثغر الوليد، في وجه الذبول المتربّص بنضارة الأزهار، والأسْر المتوعّد لحريّة الفراشات، والبكْم المهدّد لتغريد العصافير؟!

لماذا خفّ المدُّ وزاد الجزْرُ، واعتزلَ القمرُ الرقصَ على مسرح الجمال المتدفّق في جدول الانتشاء من الحياة والارتواء من نميرها؟!

لماذا استقالَ الوعيُ من حواسه الخمس، وغاضَ في أغوار  النكران والتخلّي، وارتاح في غيبوبة غريبة لا رجعةَ له منها إلّا إذا صرختْ في حلمه عزيمةّ تستفيقُ من وَهْنها، وتنتفضُ على هُزالها، وتمتشقُ لقيامتها إرادةَ الحياة؟!

لِمَ ترجْرَجَ السيرُ، ووَعَرَ المسلكُ، ودَغَلَ الحقلُ، واستبدَّ الظلامُ، وغَبِشَ النظرُ، وتكوّرَ الدربُ، وصار الماءُ سراباً هفّافاً، والرؤى أضغاثَ أحلام، وتصيّدَ المشهدَ الهاربَ من زَغَل  الاضطراب ضبابُ الأسى والوجوم؟!

لماذا تمدّدَ القلقُ، وتثاءبَ الضجرُ، وتمطّى العبَثُ، وناءَ الأرَقُ بحمْل الليل الطويل على صدر الفجر المتململ من رِبْقِ الهذيان المتمادي؟!

لماذا تغرورقُ عيونُ الأسى بدمع الرجاء، من غير أن تنسكبَ على وَجْنات التوجّع، وتطفئ لظاها؟!

هل نحن نسير في الزمان، أم هو الزمان يسير ونحن نقبع في محطة انتظاره، وقد فاتنا أكثرُ من قطار في مساره؟!

هو الأملُ الذي يتراءى في الأحلام عند الشدائد، ونتشبّث بحباله حين الغرق، ونتطلّع إلى بريقه عند اكفهرار السماء، ونستمطر شآبيبَ خيره عند احتباس الماء وجدْب الحقل وحلول اليباب!

كذا نقيم جسورَ الرجاء للعبور من  ضفّة الخيبة إلى ضفّة الاستبشار، ولو كان ما بينهما بحرٌ من القهر والحزن والقنوط!

كذا لا يستسلمُ الشجرُ لعُرْيه إبّان الخريف، ولا يرجع النبعُ القهقرى، ولا ترتابُ الطيورُ المهاجرة في الإياب إلى أوطانها.

صحيحٌ أنّ سحابَ الصيف لا يحملُ المطرَ، والماءَ لا يجري في الحُفَر؛ لكنَّ مُزْنَ الشتاء ماطرةٌ، والسيلَ لا تعيقه الحواجز !

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *