كما يرانا جنجر…

Views: 52

زياد كاج

   أحب هذه العائلة الصغيرة وأستلطفها رغم غرابة سلوكيات أفرادها أحياناً ! فأنا أعيش معهم منذ أكثر من سنة ولم أرَ منهم سوى حسن المعاملة والرعاية والدلال. (thereader.com)

 الجميع يحبني في هذا البيت؛ خاصة الشاب والصبية؛ وهما الأقرب الى قلبي. الأب يعمل طوال أيام الأسبوع؛  ويتواجد يومي السبت والأحد في البيت. يجلس دائماً على كنبته المفضلة أمام جهاز ضخم يصدر أصواتًا تتحرك فيه أشكال من أضواء ملونة. الأم تمضي معظم وقتها في المطبخ تعد الطعام؛ رائحة طبخاتها طيبة خاصة عندما تصنعها من دجاج . مرة واحدة في السنة تجتمع هذه العائلة على طاولة العشاء في شهر يأكلون فيه صحن الفتوش بشكل يومي والبطاطا المقلية. وبقية الأشهر يتفرقون دون زعل. الأولاد يمكثون معظم الوقت في غرفة الصبي، فيما يمضي الأهل سهرتهم في الصالون. الأب يقرأ من وقت لآخر، وقد يتابع بعض البرامج، والزوجة تتابع المسلسلات التركية.يختمان سهرتهما بكوب شاي.

نادراً ما يخرجون معاً في نزهة أو الى مكان عام. الأم تحب الزيارات العائلية. وهي تزور بيت شقيقتها في الجنوب مرة أو أكثر في الشهر. عندما أسمع كلمة “الخيام” ..يسكن  قلبي إحساس بالوحدة والاكتئاب. سيغيب الأولاد مع أمهم عن البيت لثلاثة أو أربعة أيام؛ فيما أبقى أنا وحيداً مع الأب الممل الذي بدوره يندر تواجده في البيت خلال النهار. فأمضي يومي بين النوم والإستلقاء اينما أريد. وأحيانا ينسى الرجل وضع الطعام الخاص بي رغم توصية الأولاد له مراراً بأن لا يفعل. وفي الليل، يجلس في الصالون وحده مع كتبه وأمام الشاشة الكبيرة وبين يديه هاتفه. أحاول المواء والالتصاق به، لكنه ينهرني ويسمح لي بالاستلقاء الى جانبه. يا له من متواضع. يروح ويجيء من والى  المطبخ. أشتاق الى حنان الأولاد لي. عندما يطفئ الضوء، أعرف أنه قد دخل الى غرفة نومه ولن أراه الا في صباح اليوم التالي.

 

نادراً ما يُقرع باب دار هذه العائلة ! وإذا حصل ذلك، يكون الطارق إما الناطور أو بائع مياه الشرب، أو شقيقة الأم التي تأتي غالباً لزيارتها . نشأت بيننا علاقة ود ومحبة؛ فهي تحب أبناء جنسي. لم أرَ يوماً أحدًا من الجيران يزورهم ولا هم يفعلون. حتى أنني عندما أقف على الشرفة للتفرج على الناس والشارع تحت، أشعر أن العائلة التي أعيش معها تختلف عن أهل الحي عموماً. ربما الأم لا تشعر بالغربة هنا كما يشعر الأب والاولاد. لكن يبدو أنهم قد تعودوا على وضعهم.

  لي ذكريات طيبة وعزيزة في هذا البيت الهادئ نسبياً. رغم أن الرجل وزوجته يختلفان أحياناً ويعلوا صراخهما. لماذا يختلف بنو البشر؟ وعلى ماذا ؟ أحيانا أشعر أن الحق مع الأب؛ وأحيانا أستنتج أن الأم مظلومة. يتحدثون كثيراً عن حقوق المرأة في هذا البلد.المشاكل كثرت مؤخراً في المؤسسة الزوجية بسبب ضيق الأحوال . لقد تعب رجل وامرأة هذا البيت من المشاكل ويبدو أنهما قررا تقبل بعضهما البعض والعيش بسلام وحب وهدوء. قلبهما طيب.

   الصبية والصبي هما من منحني أسم “جنجر” بسبب لون وبري الأشقر. كنت صغيراً حين حملاني من عيادة الطبيب البيطري في بدارو. أكره مشوار السيارة. تنقلب وتنخض معدتي. صرت لعبتهما المفضلة في البيت. لكنني لا أنسى يوم قررت العائلة أن تخضعني لجراحة إزالة عضوي التناسلي. كدت أموت من الرعب. لماذا يفعلون بي هذا؟

“نخصيه” سمعت الأب والأم يتفوهان بها مع ضحكة مكبوتة. وهل أنا مسخرة؟ وضعوني في قفص في السيارة وأخذوني الى العيادة. طوشتهم من المواء طوال الطريق. بعد استيقاظي من البنج، وجدت نفسي في البيت. أصابني الحرد والاكتئاب. بقيت  مختبئًا لفترة طويلة تحت الأسرة وفي الخزان وقاطعت وجبات الطعام. نوع من التمرد على واقع مرير لا رجوع منه. أحسست بالعجز والخواء.

أعيش وسط هذه العائلة اليوم سعيداً مكرماً. لا يضربني أحد منهم. أكلي وشربي مؤمنان؛ وطبابتي أيضاً. كنت أرغب بأن يكون معي في

البيت قط آخر أتسلى معه، وهذا ما طالبت به البنت والشاب. لكن الأهل رفضا وعلا صراخهما بسبب ضيق الأحوال المادية وارتفاع سعر الدولار أمام العملة المحلية. فهما صارا يتذمران مؤخراً من إرتفاع تكلفة التراب حيث أقضي حاجتي وأكياس حبوب الطعام الخاص بي. لدرجة شعرت بأنني غير مرغوب بي وأنهما سيرميان بي في الخارج. تلك الفكرة كانت ترعبني، خاصة عندما أرى القطط الوسخة والمهملة والنحيفة في الكاراج الخلفي للبناية .

منذ سنة شعرت أن هذه العائلة أصبحت أكثر توتراً ولازمت البيت لفترة طويلة. صاروا يتحدثون عن وباء اسمه “الكورونا” ولا يخرجون الا بعد وضع كمامات على وجوههم. شخصياً، سررت لبقائهم في البيت لفترات طويلة. أما الأب، فكان غالباً ما يخرج بعد الظهر لممارسة رياضة المشي التي يستحيل أن يستغني عنها. الأولاد كانوا أكثر وعياً وتشدداً بالنسبة لإجراءات الوقاية. عاشت العائلة عزلة اجتماعية قاسية بسبب منع التجوال.

   رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، تحاول “عائلتي” الاستمرار والصمود. توقفت الأم عن العمل؛ فصار عليهم الاكتفاء بمدخول الأب. جربوا تخفيف مصروفهم قدر المستطاع. أسمعهم يتحدثون  يومياً عن إرتفاع الأسعار الجنوني. قرروا التخفيف من استهلاك اللحوم والكثير من الكماليات. حتى الأب قرر اتباع حمية وخسر 16 كيلو من وزنه.حتى الأولاد خففوا من طلباتهم من الأهل. توقفت دراستهم الجامعية، لكنهم استمروا بالدرس على جهاز صغير يشبه ذلك الموضوع في الصالون ويصدر من ضوء وأشكال تتحرك. أفرح كثيراً عندما يأتي أصدقاؤهم لزيارتهم ؛ فيضج ويعج البيت بالحياة وأجد نفسي محمولاً من حضن لآخر وأسمع اسمي يتكرر “جنجر..جنجر..”؛ وأنا اُحب الدلال ولا أنكر.

   أنا جنجر قط هذه العائلة الطيبة التي لا تزال رغم كل الصعوبات تؤمن لي طعامي والبحص والملجأ الآمن كي لا أُرمى على قارعة الطريق . أتمنى لهم كل الخير؛ وأدعو لله أن يحمي هذا البيت وأهله ويبعد عنهم كل شر من بني البشر.

هناك طريقتان للتخلص من مآسي الحياة: الموسيقى والقطط.         

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *