دهشة أم خيبة؟!… الفضاء الخارجي في تصوّر العلماء

Views: 90

أنطوان يزبك

في علوم الفضاء تبرز تساؤلات تفتح الأبواب على تكهنات علميّة فلسفيّة لاهوتيّة، تؤرق  البشر، وتدعوهم إلى طرح الأسئلة؛ ويسود قلق بسبب ظواهر نصادفها في الكون، حول إمكانيّة وجود كائنات ذكيّة تعيش في كواكب أخرى. 

دأب علماء الفضاء على البحث عن حياة وحضارات على كواكب أخرى عبر مراقبة الأجرام الفضائية، وبحسب هؤلاء، ثمة كواكب تقع في منطقة قابلة للحياة، كونها ليست قريبة جدًا من شموسها حتى تحرق سطحها، ولا بعيدة  عنها حتى يتجمّد سطحها، ولا يمكن ان تكون عليها حياة، فضلا عن أن جوّ هذه الكواكب مقبول وهي غنية بالمياه، ما يجعلها أرضًا خصبة لنشوء الحياة. 

على العموم،  لا بد من تضافر العلوم لفهم علوم الفضاء والأسرار التي تختبئ وراءها. 

 

فيزياء الكانتوم والسرّ وراء السرّ

عرف عن نيلز هنريك بوهر، عالِم فيزياء دنماركي وفيلسوف، أنه أجرى أبحاثًا مجلّية في فيزياء الكانتوم، ونال جائزة نوبل للفيزياء سنة 1922، وقد وصف في سلسلة مقالات علميّة حالة الذرّة وكيف تتحوّل الإلكترونات من حولها، ولكن هذا التوجه العلمي البحت لم يمنعه من إطلاق سلسلة من الأفكار والتأملات التي تبدو للوهلة الأولى فلسفيّة، ولكن ما يتوصّل إليه عالِم أو مفكّر، ليس سوى حصيلة ساعات طويلة من التأمل والتفكّر والتحليل، ومن ابرز أفكاره: 

“إن أي شيء ندعوه حقيقيًا، مصنوع من أشياء لا يسعنا أن ننظر إليها على أساس أنها حقيقية”.

خطير هذا القول إلى ابعد حدود، ويجعلنا نقف برهبة ونتساءل حول ما إذا كان هذا الوجود برمّته وهميًّا، أو ليس سوى صورة تكونّت نتيجة التكثيف، الذي يكرّر ذاته باستمرار كما الغبار الكوني الذي يقف مرصوفًا طبقة إثر أخرى. 

نيلز هنريك بوهر

 

حركة لا تعرف الكلل

أجمع العلماء على أن الكون يتابع التمدّد منذ لحظة حصول ما سمّي بالانفجار العظيم Big Bang، وعليه يعتبر هذا الكون الوسيع هائل الحجم. إن أبعد نقطة مرئية، أي نستطيع رؤيتها تقع على بُعد يقدّر بنحو 46 مليار سنة ضوئية، وهو ما يشكّل قطر دائرة يصل طوله إلى 540 سكستيليون ميل، أي 54 وأمامه 22 صفرًا من الأميال.

لا أحد يعلم حجم الكون بالفعل، لكن هذا فقط ما يستطيع العلماء أن يمدّونا به من معلومات، وما علينا نحن سوى أن نقدّر، فالكون يشبه إلى حدّ بعيد بالونًا، يزداد حجمه في كل الأوقات، ومنذ بداية الوجود، نحن أمام أمداء واسعة لا يمكن تخيّلها. فالكون إذن فيه الضوء وفيه العتمة وفيه الحركة وفيه الطاقة وفيه الأفول، وفيه الضياء وفيه الولادة وفيه الموت، لكن يبقى السؤال: ما الذي لدينا نحن من الكون؟ هل نحن فيه أم هو فينا؟ هل نحن انعكاس له أم هو انعكاس ليس للإنسان فحسب بل لمعتقداته وما يمثّل!!

اينشتاين

 

رأي اينشتاين سهل ممتنع، واضح، لكنه يدعو إلى التساؤل: 

إذا أردنا أن نمثل هذا الكون بأبعاده الأربعة، قد لا يتطلّب ذلك جهدًا عقليًّا فوق طاقة البشر، ويوضح في هذا المجال: “يشعر الرجل غير الرياضي بقشعريرة غريبة عندما يسمع بأشياء ذات أبعاد أربعة، فيغمره شعور لا يختلف عن شعوره تجاه الأمور الغيبيّة، ومع هذا فليس ثمة حقيقة أبسط من القول إننا نعيش في متّصل زمكاني (زمان ومكان) له أبعاد أربعة”. 

يتابع: “إن المتصل المكاني ليس محض بناء رياضيًّا، فالعالم بأسره هو متّصل زمكاني، وكل حقيقة حاضرة في الزمان والمكان معًا، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر”. 

إن جميع المقاييس الزمانيّة، هي في الحقيقة مقاييس مكانيّة، وعلى ذلك تصبح الثواني والدقائق والساعات والأيام والسابيع والشهور والفصول والسنوت، مقاييس لموقع الأرض في الفضاء بالنسبة إلى القمر والشمس والنجوم. 

في خضمّ المعرفة وفي السباق نحو ولوج الطبقات العلويّة في هذا الفضاء الوسيع، يأتي مفهوم العدم ليطرح نفسه، أولا من حيث القياس الكمّ وثانيًا من حيث التماس المكاني بين العدم والوجود، فهل يتلازمان كما يحصل بين البحر واليابسة، أو بين الفراغ والامتلاء؟!..

من التفسيرات اليسيرة أن نقول: العدم هو غياب الوجود. هنا نسقط أيضًا في تحليل الفوارق بين الكلي والجزئي؛ والخشية من تهافت الأسئلة، يحيلنا إلى استحالة إيجاد أجوبة! (https://miedemaproduce.com/

يحكى ان رهبان التيبت، حين يتأملون في طقوسهم التجاوزية ينجحون في رؤية العالم برمّته محفورًا على حبّة من الأرزّ. 

ويليام بليك

 

كذلك قال ويليام بليك شاعر الرؤى الغريبة ملهم جبران خليل جبران: 

“أن ترى العالم في ذرّة تراب، والجنّة في وردة بريّة، يجعلك تقبض على الأبديّة في راحة يدك كما الخلود في بحران ساعة من الزمن”. 

أيّها المتأمّل في الكون، لا تقنط وتستسلم لليأس، بل اجعل من هذا المدى اللامتناهي وسيلة للسفر الروحي إلى الماوراء حيث تتجاوز كل عذابات الكون وتتخطى أسقام الحياة!..  

Comments: 1

Leave a Reply to علي رباح Cancel Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked with *