العالم

Views: 830

د. جان توما

يأخذُك العالمُ إلى رحابه، وأنت مُلقى ما بين رصيف وآخر. ترجو السماءَ وأنتَ ملتصقٌ بترابِ أرضِكَ،  وشروشُكَ لا تقوى على انتزاعها. شرايينُكَ معابرُ الشوق، ونبضُكَ من ذاك الرنين الذي لم تسمعه أذن، ولم تَرّ وترَهُ عين.

ما هذا العالمُ الذي ننزلُ فيه؟ كأنّه بُعدٌ من تراويحَ وأناشيد. بل كأنّه مدى يعقبُه مدى، ووجهٌ يليه وجهٌ، وعيون ٌترصد الأيام. كيف تتحوّل العينُ  فجأة إلى بؤبؤ  يخفي ما يرى. ويرسم بالرموز الكلمات، كما النُجومْ تَكْتُمُ الأخبارْ، وكما ضبابُ الليلْ في تِلْكَ الكُرومْ يَحْجُبُ الأسرارْ؟

كيف لا يتعبُ العالمُ فيما إنسانُه يتلوّى ويتعب؟ كيف يجولُ العالمَ في هذا الكون فيما إنسانه تتقاذفه فلواتٌ وصحارى؟ كيف تستقيمُ حركة ُالأرض حول الشمسِ فيما إنسانُه تدورُ به الدوائرُ وتترصَّدُهُ المآسي؟

تضيقُ الأرضُ بما وبمن يدبّ عليها، لأنّ ابنَها، كما راكبُ الدراجةِ للمرّة الاولى، يركزّ على عجلاتِ الدرّاجةِ عوضّ الطريق، يركزّ على ثروات الأرض جشعًا، ولا يرفع رأسه إلى فوق.

متى يعي المرءُ أنّ السماء له أيضًا إن صار إليها مترفًعًا؟ إذ هنا السماء قريبة. ومتى يكتشفُ الإنسانُ أنّه عالمٌ كاملٌ وعليه أن يتجانسَ وينسجمَ مع العالم الذي يحيا فيه؟.

قد تسجدُ الكواكبُ له في الأحلام، لكن عليه أوّلا أن يصيرَ كوكبّا وهذا جهادُ المرء ودأبُه.

امتلِكْ هذه المساحةَ ما بين الأرضِ والسماءْ، وخذ بيديك العاريتَين جبلةً من ترابِ الأرضِ ووحلِ السماء، لتعبرَ إلى معارج ِالضياءِ كما الطالعُ من جرنِ ماء.

***

(*) اللوحة للفنان محمد عزيزة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *