حياة الحويك عطية…  “عمر” ثقافي ومعرفي وحضاري

Views: 425

سليمان بختي

الليلة يتنزل علينا قمر من ضياء وعقل من نور وقلب من ذهب وإرادة من حديد*. الدكتورة حياة الحويك عطية أنارت واستنارت. وفي ظل هذا الضوء سنسهر ونقول ونستعيد ونعتبر. لو قدر لي أن أختصر عمرها لاختصرته بكلمة عطاء أو بكلمة نهضة.

اتسعت همّة حياة الحويك لآمال أمتها. وتركت لنا إرثا معرفيا وثقافيا وحضاريا وإعلاميا إذا ما أحسنا استثماره يكفي لنهضة.

 

تركت لنا حكايات: حكاية أجنحة الفراشات التي تنطلق منها رياح التغيير. حكاية الجسر بين المكان والإنسان والنص والقارئ. حكاية الوطن الذي نكتشف معالمه كل يوم. وحكاية الهوية التي نصنعها كل يوم. حكاية الموقف الذي لا يتناقض مع المبادئ والقيم.

كانت حياة الحويك في مجمل عملها تحاول أن تتلمس الاتجاه الذي تسير فيه قضايانا. وكانت على يقين بأن لا شيء خارج المكان إلا الوهم. عاشقة المكان. لذلك أحبت تلة أم قيس المشرفة على ثلاثة أقطار من بلادنا. صورة الوحدة كما أحبتها وأرادتها.

 ولدت في حلتا جبال البترون وفي كنف والدها  المحب للعلم وفي كنف عمها النحات الكبير يوسف الحويك صديق جبران ومي زيادة. أخذت عنه كيف ينحت الإزميل في الصخر وكيف ينحت القلم في الكلمة فتبقى ما بقيت الحياة. والانتماء إلى لبنان الذي يشبه فئة الدم ، إلى بيروت المكان الجامع والبحر والحريات ولتتخرج من كلية الحقوق الجامعة اللبنانية 1973 ثم وعلى إثر الحرب اللبنانية غادرت إلى بلدها الثاني الأردن الذي أتاح لها تحقيق طموحاتها ودورها كرائدة إعلامية وأكاديمية، إلى دكتوراه دولة في وسائل  الإتصال من جامعة السوربون 2008 ولتكون أول منظرة عربية في هذا المجال تستعيد التنظير من مركزيته الغربية وبدا ذلك في كتابها القيم “الفضائيات الإخبارية بين عولمتين”.

 

إلى التأليف فقدمت 8 مؤلفات و21 كتابًا جماعيًا و58 بحثا محكما و7 مؤلفات تحت الطبع و6 آلاف مقال سياسي وثقافي وشاركت في 177 مؤتمرا علميا ومساهمة في تأسيس القسم الفرنسي في التلفزيون الأردني 1975 وبرامج ثقافية أسبوعية في فضائيات عربية و23 وثائقيًا تلفزيونيًا في ذاكرة المدن العربية ومشاركتها في أكثر من 300 برنامج وحوار تلفزيوني في الفضائيات العربية والغربية وتدريس جامعي في جامعة اليرموك والبتراء وترجمات لـ 19 عملا من الفرنسية إلى العربية وبالعكس في الرواية والمسرح والسياسة والشعر.

 ترجمت حياة الحويك ما  يجب ترجمته وما تفتقر إليه المكتبة العربية. وكانت مثل القديس كريستوفر تحمل العابر من الضفة إلى الضفة. ترجمت “عالم صوفي” (1996) للكاتب النروجي يوستاين غاردر وعرف الكتاب انتشارا واسعا في العالم. ولكن أثناء الترجمة صوبت حياة الحويك النقص في الكتاب لجهة موضوع القدس وجنوب لبنان والقضية الفلسطينية وغياب الفلسفة العربية الإسلامية عن صفحات الكتاب. اقتنع الكاتب وغير مواقفه وأصبح اليوم أهم كاتب نروجي داعم للقضية الفلسطينية في أوروبا.

كما انتسبت إلى أكثر من 16 جمعية واتحادًا ولجنة، وهوايات الزراعة والتطريز على القماش. وأضف إلى ذلك عائلة من ذهب. وصداقات من معادن الجوهر.

 

 دعونا إذن نحتفي بأعمار حياة الحويك وولاداتها الآتية. دعونا نتعلم من حياة الحويك كيف نعيش الأيام لا أن نعدها. أيام مثمرة تحتفي بالحياة وعطايا الحياة وتشهد للمجتمع.

عاشت حياة الحويك أيامها وأغنتها وأغنتنا كما يليق بابنة الحياة. حاربت طوفان التفاهة وظلت حتى الرمق الأخير تردد  نحن في معركة كبرى ولن ألقي السلاح، لن ألقي السلاح.

 لم تنتمِ إلى الوقت بل إلى الحياة وإلى ما ينجز من الأيام في قلب هذا المجتمع ومصيره وسعادته وبؤسه ونهضته. وفي كل ما سعت إليه وعملت لأجله كانت تستلهم دوما ما قاله باعث النهضة أنطون سعاده “سعيا لأجل حياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى”.

***

(*) ألقيت هذه الكلمة في حفل تأبين الكاتبة والباحثة والمفكرة والمترجمة حياة الحويك عطيه برعاية وزارة الثقافة اللبنانية وبالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية ومؤسسة حياة الحويك للدراسات الثقافية. في مسرح المدينة- بيروت 28 آب 2021 .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *