قراءة في كتاب “أوهام النخبة ونقد المثقف” لـ علي حرب

Views: 15

 وفيق غريزي

مقولة النقد والنقد الذاتي ركزت عليهاالعقائد الايديولوجية، بهدف تقويم الاعوجاج وتصحيح الاخطاء لدى الطليعة القائدة، ونقد المثقف بشكل خاص يتمحور حول العوائق الاساسية التي تضيق حلقاتها على النخبة المثقفة ” وتمنع المفكرين من تجديد عالم المفهوم بأداة من ادواته الفعالة. الكاتب والمفكر علي حرب تناول هذه الاشكالية في كتابه  “اوهام النخبة ونقد المثقف”، وفي هذا الكتاب يحلل الاوهام التي سيطرت فترة من الزمن على عقول المثقفين، ابتداء من الوهم الثقافي الذي يرتبط بمفهوم النخبة، وانتهاء بالوهم الحداثي المرتبط بمفهوم التنوير، مرورا بالوهم الايديولوجي المرتبط بمفهوم الحرية، وبالهم الاناسي المرتبط بمفهوم الهوية، وبالوهم المتافيزيقي المرتبط بمفهوم المطابقة.

 ونقد المثقف في هذا الكتاب لا يهدف الى تلميع صورته، او ترميم دوره، او التوكيد على مشروعيته، وبالمقابل لا يهدف الى تحطيمه وتشويه صورته، وانما يهدف الى “تعرية المسبقات التي توجه رؤيته لذاته وللغير وللمجتمع، او فضح البداهات التي تتوارى خلف اطروحاته واهتماماته”.

 وكثيرا ما نسمع ونرى في النظرية والطروحات الشعاراتية ان المثقف جل اهتمامه حول قضية الحقوق والحريات، ويعلن التزامه بالدفاع عنها وعن القيم الثقافية المحلية والكونية، وعلى ارض الواقع نجده يتصرف ازاء ذلك بأسلوب فوقي، وكأنه يملك امتيازات لا يملكها الاخرون، زاعما انه يمثل الطليعة المنتمية الى صفوة القوم ونخبته. وانطلاقا من ذلك فان المثقف كما يقول علي حرب: “انسان يحيا وسط الازمة فهو بصفته يهتم بشؤون الحقيقة والحرية والعدالة وسواها، من القيم العامة، ينتعش بإثارة الفضائح والمشكلات، ويتعيش من الكلام على الانتهاك الذي تتعرض له الحقوق والحريات”، وكثير من الفضايح والمشكلات هي اسقاطية من قبله على الاخرين، واثر هذه التحولات الهزائمية احيانا، والتطورية حينا، تحول المثقف من موقعه كقائد فكري او صانع الرأي العام، في مرحلة سابقة، الى موقع نقيض يتمثل بحارس للسلطة السياسية الحاكمة او ” كشرطي للافكار”، وبعدما كان يزعم انه الشاهد والقيم الذي يصف ويعين ويحكم عبر نقده ودفاعه عن حرية التعبير، ومصالح الناس ولا سيما الشريحة الشعبية الكادحة، اصبح هو موضوع النقد والتشريح. فالمثقف في الغرب مارس دوره بفعالية تامة خاصة قبل اندلاع الثورة الفرنسية التي ادت الى سقوط سجن الباستيل، او قبل نشوب الثورة الطالبية في فرنسا العام ١٩٦٨، فالمثقفون الغربيون مارسوا ادوارهم التنويرية على اكمل وجه، اما المثقف العربي فلم يؤت له ان يلعب الدور الذي لعبه المثقفون الغربيون، اي لم يشارك في صناعة الراي العام، وصوغ الوعي الجماعي، او في التأثير على الدينامية الاجتماعية والسيرورة التاريخية، ولقد تركز دوره على البيانات والتعليقات على الاحداث بحيث ان التجارب الماضية تثبت ان النخبة العربية حاولت تفصيل الواقع على قياس نظرياتهم، وقولبة المجتمع حسب قوالبهم، وهذا ما ادى الى فشلهم وانهيارهم، وسقوط طروحاتهم.

 

النخبوية

صفة “النخبة”  طرحها المثقفون على انفسهم بغية تعزيز وضعيتهم المجتمعية، ولم تطرح عليهم من قبل الجماهير بسبب شجاعة مواقفهم، فهولاء مارسوا سلطتهم باسلوب السلطة التي يناصبونها العداء باسم الشعب، وقد مارسوا ايضا “الوصاية على القيم والولاية على الناس بإعطاء انفسهم، الحق في تعيين ما هو مشروع وحقيقي وصالح، اي ما تمليه الحقيقة او ما هو في مصلحة الشعب والوطن، والامة، “وفق ايديولوجيتهم، والعقلية النخبوية قيدت المثقف العربي باسارها، وجعلته يرتفع فوق الناس والمجتمع، في حين عليه في الحقيقة كما يقول حرب “ان يكون مندمجا في المجتمع، حاملا هموم الطبقة في النهاية، كل ما يتعلق بمكانته ودوره ومشروعيته، اي هو يقرر من يقرر من ينبغي ان يمثل وما يمثل وكيف يكون التمثيل” وذلك بصرف النظر عن ارادة الذين يدعي التماهي معهم وتمثيلهم او الاندماج بهم. هوًلاء النخبويون يمارسون نخبويتهم على حساب الحرية والعدالة والمساواة، وهم يعكسون الوجه الاخر للحقيقة، فوجودهم وقيامهم، على راس المجتمع يعني ابقاء الناس غرقى في بحر الجهل والتبعية والعجز، وفي العصر الراهن تلاشت الثنائية في المجتمع، ثنائية الطليعة والجماهير، “فلم تعد النخب والاحزاب هي التي تصنع العالم، بل تصنعه الشاشات ووسائل الاعلام واسواق السلع واسعار البورصة واليات الربح ومافيات الضغط”، والشواهد على ذلك، ان تلك النخب والاحزاب التي نادت بحرية الناس، وبحقهم بالعيش الكريم، قد مارست ابشع صور الاستبداد والبلطجة والتسلط وقمع الحريات خلال سيطرتها ابان الحرب الاهلية الاخيرة، حتى وصلت الجماهير في كل المناطق اللبنانية الى درجة الكفر بالعقائد والاحزاب والنخب المزعومة. ومما لا شك في ان تحرر الجماهير يجب ان يبدا من تحررها من هيمنة النخبويين ومن وصايتهم التعسفية عليها. (https://insider-gaming.com/)

 

سلطة النخبة المثقفة

ان الازمة التي يتخبط فيهاالمثقف العربي عامة واللبناني خاصة، هي من صنع يديه، حيث جعل الهوة كبيرة وعميقة بين خطابه السياسي وبين ممارسته، وهذا التناقض بين النظرية والممارسة افقده الدرع الواقي له، وهذا الدرع هو الجماهير الشعبية، فالمثقف الذي يعلن نظريا انحيازه الى المقهورين في مواجهة السلطة القهرية، فيما هو واقعيا يشكل سلطته ويمارس سيطرته، وكل هذه المسائل جعلت العلاقات “داخل الحقل الثقافي، علاقات قوة، اي علاقات بين قوى وتجمعات لا تخلو من بربرية الغاب وفاشية العصبيات، وعقلية المافيات الحديثة، فضلا عن النرجسية التي يتمتع بها المثقفون، لاعتقادهم بافضلية العمل الفكري على العمل اليدوي”، وخير مثال على ذلك، فن هذا النخبوي – الطليعي الذي يدعو الناس الى مقاومة سلطة رأس المال، فهو يراكم رأسماله لتثبيت سلطته. ان التغييرات الجذرية – النوعية التي طرأت على لواقع اللبناني، بعد الحرب الاهلية، والتي تمثلت في انهيار سلطة الاقطاع السياسي وقيام سلطة راس المال، قلبت البنية اللبنانية راسا على عقب، وجردت المثقف من سلاحه الفكري، واخضعته لسلطة راس المال، فوقف في ميدان المعركة اعزل من السلاح الذي تتطلبه وهو المال، وحيال هذه الوضعية “التي تسلب المرء ارادته وحريته او هويته وثقافته يجد المثقف نفسه امام خيارين: اما ان يسعى بفكره ومواقفه الى تغيير واقع الحال، كما يفعل عادة الدعاة والمنخرطون في مشاريع الاصلاح والتغيير (الحقيقية)، واما ان يختار العزلة لكي يمارس هامشيته وغربته ازاء ما يحدث معتبرا ان لا مجال في هذا العالم لترجمة مثله وتحقيق تطلعاته”، والذين يدخلون في هذا الخيار هم الكثرة، وثمة خيار ثالث سار عليه فريق من النخبويين، وهو قبولهم بأن يكونوا في تبعية اصحاب رؤوس الاموال كاتباع وابواق لهم، وبذلك تخلوا عن حقيقتهم وعن كينونتهم وعن دورهم حيث وقفوا الى جانب الزعماء المستبدين والطغمة السياسية والمالية الفاسدة ضد الفقراء والمعوزين الذين باتوا يشكلون اكثرية الشعب اللبناني الساحقة.

 ان الكاتب – المفكر علي حرب تمكن في كتابه من ان يضع يده على الداء، ولكنه لم يعط لنا الدواء الناجع، وبالرغم من ذلك، فانه كان جريئا في طروحاته وافكاره، ويعتبر كتابه خطوة ايجابية نحو إصلاح وتجاوز الأخطاء السابقة..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *