تحت وطأة سيّاط الجّائحة 

Views: 770

د. محمّد م خطّابي * 

الهلع، والرّعب، والخوف، والترقّب، والرّوع ،والانبهار، والوساوس الخنّاسة حيال الوباء اللعين الذي ما فتئ ينتشر بين ظهرانينا وفى مختلف بلدان العالم والعياذ بالله انتشار النار في الهشيم ، إنها جائحة “الفيروس- التاجي” أو” الكورونا – فيروس” الخطير الذي ما فتئ يلقي بظلاله الثقيلة، وأشباحه المآتية المخيفة، ومخالبه الرهيبة،و تحوّراته المُرعبة، والمُريبة، وتجاويفه الجاحظة على العديد من مناطق العالم ونواحيه وأصقاعه التي لم تجد بدّاً حيال هذه النازلة من أن تلغي، أوتؤجّل، أوتعلّق أو تنتقص أو تقلّص من عدد السّفريات، والتظاهرات ،والملتقيات،والإحتفاليات،والأنشطة الثقافية،والسياحية والموسيقية، والرياضية،والإعلامية، والإقتصادية والتجارية والفنية كذلك وكأنّ العالم أمسىَ يشهد بداية الجيل السادس الجديد من الحروب والمواجهات الوبائيّة الفتّاكة ،بعد أن عجزت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها القارة العجوز إيقاف هيمنة التنّين الصّيني العملاق، أوصدّ وردّ زحف الجنس الأصفر إقتصادياً وعسكرياً وتجارياً واقتصادياً وبشريّاً و(وبائيّاً ) كما كان يسمّيه قارئ ومُستطلع المستقبل الفرنسي ذائع الصّيت “ميشيل دي نوسترداموس” فى رباعياته الشهيرة التي كتبها ونشرها فى القرون الوسطى والتي ترجمت إلى مختلف لغات الأرض، وفى هذا السّياق ألغيت من جديد فى بلدنا الأمين وفى غير قليل من البلدان العربية والغربية والأسيوية وسائر بلدان العالم العديد من المهرجانات واللقاءات الكبرى، وأعيد تطبيق الحجر الصحّي الصّارم ،والإلتزام بالإجراءات الاحترازية المُشدّدة بعد عودة انتشار هذه الجائحة اللعينة بتحوّراتها الجديدة العديدة (دلتا) وتوابعها،وأذنابها، ومرادفاتها  فى مختلف أنحاء المعمور

حُماة الوطن والمواطنين

 لا شكّ أن العمل اليومي في أيّ مرفق من مرافق الدولة الحيوية أو في أي قطاعٍ من القطاعات الخاصّة على وجه التحديد المرافق الأمنية تحت وطأة سيّاط هذه الجائحة اللعينة التي أثقلت كاهلنا، وأقضّت مضاجعنا، قد أمست عبئا مضنيًا أحالت حياتنا الى جحيم لا يُطاق، وأرغمتنا على إقامات جبرية داخل بيوتاتنا ومخادعنا،ومضاعنا، ومرابضنا فراراً واتقاءً من مخالب هذا الوباء الوحش الذي أصبح يخبط خبط عشواء في حياتنا اليومية الآمنة ويحيلها الى قلق دائم مقيم ، و هكذا أصبحت مهام مهنييّ الصحّة من أطباء وممرضين وممرضات وصيادلة و رجال الأمن بمن فيهم الشرطة ورجال الدرك والقوّات المساعدة وسائر المرافق والقطاعات الأخرى يقفون جميعاً امام فوهات بركان هذا الوباء المرعب الخطير الذي أودى بحياة العديد أحبابنا، وأقربائنا ومن المواطنين الآمنين من مختلف الاعمار. حيال هذه المخاطر الرهيبة والمخاوف المفزعة  يقف  رجال الشرطة والدرك لزجر المخالفين للالتزام بإجراءات الأمن والأمان والوقاية الاحترازية بشروطها العديدة من ارتداء الكمامات الواقية ، والتباعد الجسدي، وغسل اليديْن بدون انقطاع وعدم التنقل الجزافي، والسفر  أو التنقّل الاعتباطي  بدون سببٍ قاهر أودافعٍ قويّ أو مُبرّرٍ مقبول داخل المدن أو فيما بينها أو خارج الوطن.

 هل كان لهذه الجائحة تأثيرات مباشرة على مستوى أداء واجب هؤلاء وأولئك حيال المواطنين والمواطنات خلال ساعات الحجر الصحيّ وبعده..؟، فالشعار الجميل” الشرطة فى خدمة الشعب ” الذي يعبّر عن روح مهمّة رجال الأمن الصّعبة وعملهم اليومي العويص المحفوف بمختلف أنواع المخاطر والأهوال التي تحدّق بهم من كلّ جانب.. هل ما فتئ يُطبَّق خلال هذه الجائحة مع مختلف شرائح المواطنين، والمواطنات على اختلاف درجاتهم، و تباين مستوياتهم، الإجتماعية..؟ الإجابة عن هذه السؤال ليست بالأمر الهيّن اليسير، إذ لا يجوز الحُكم بشكلٍ تعميمي فى هذا المجال، فالواقع الذي نعيشه ونتعايش معه يومياً  على مضض فى هذا المضمار ينبئنا، عن يقين  أنّ هناك رجالاً ونساءً من هيئة رجال الأمن ممّن يتّسم بسموّ الخُلق، وحُسن المعاملة ، ودماثة التعامل، وحميد التصرّف فى قيامه بعمله اليومي ، وإضطلاعه بالواجب المنوط به ، وقد سبق لي أن أشرتُ قبل ظهور وانتشار هذه الجائحة الرهيبة  إلى المهام الجسيمة التي يضطلع بها رجالُ الأمن حفاظاً على أمنها،واستقرارها ،كما تعرّضتْ لبعض التصرّفات ، والتجاوزات ،والمعاملات غير اللاّئقة التي يعامِل بها بعضُهم (وهم قلّة ) المواطنينَ ،حيث رجونا فى هذه الكتابات من كبار المسؤولين على هذا القطاع الحيوي الهام ضرورة إيلاء مثل هذه الظواهر، والتصرّفات العناية الفائقة التي هي قمينةٌ، وجديرةٌ ،وحَرِيَّةٌ بها.  وها نحن نعود -والعَوْدُ أحمدُ- لتسليط المزيد من الأضواء الكاشفة على هذا الموضوع الجادّ من زوايا أخرى، نظراً لأهميته القُصوى.

تحت وطأة سيّاط الجائحة

ولقد أشرنا غير ما مرّة  في مناسبات سابقة أنّه من المعروف والمألوف أنّ المغرب شهد فى المدّة الأخيرة بدون إنقطاع  تحرّكات سياسية ، وأنشطة دبلوماسية ،وملتقيات ،ومنتديات، وندوات، وتجمّعات، ومناظرات ، ومؤتمرات محليّة، وجهوية ،وإقليمية، ودولية عالمية متوالية على إمتداد الحَوْل ناهيك عن مختلف الأصعدة السياسية، والإقتصادية، والقانونية، والتجارية، والإستثمارية ،والبرلمانية ، والجامعية، والثقافية ، والأدبية ، والعلمية، والإعلامية  ، وفى العديد من المجالات الأخرى التي لا حصر ولا حدّ لها، بالإضافة الى توالي تنظيم المهرجانات ، والتظاهرات ، والمباريات ،والمسابقات الغنائية، والموسيقية، والفنية، والسينمائية، والمسرحية ، والفكرية ، والسياحية، والفلكلورية ، والتراثية ، والصّوفية، والرياضية، والشبابية، الدورية، وسواها من الأنشطة والملتقيات العديدة الأخرى من كلّ ضَرْب، ومن كلّ صِنفٍ ونوع. 

والحالة هذه، ما بالك بهذه الأفواج الهائلة من البشر من كلّ جنس التي تتطاير، وتتقاطر، وتتسابق،وتتلاحق، وتتوافد، وتتهافت عليه صيفاً ،وخريفاً، وشتاءً ،وربيعاً ،بعضهم قدِم إليها بحثاً عن شمسه الدافئة، ،والبعض الآخر جاء للتزلّج والتزحلق على ثلوجه النّاصعة فى آكامه العالية، وهضابه السّامقة، وقممه الشّاهقة، والبعض الآخر جاء لكرم الضّيافة، وحُسن الوفادة، التي يشتهر بها، والبعض الآخر جاء للتسوّق، والتبضّع ، والتنزّه ،والتسرية والتسلّي… بيعا ً،وشراءً ،و تبادلاً، ومقايضة ً، والبعض الآخر قَدِم للإستمتاع بمعالمه ،ومآثره العمرانية والمعمارية التاريخية الباهرة ، والبعض الآخر جاء للاستجمام في بحاره ،وبحيراته ، وأنهاره، ووديانه، وجداوله، وجدائله ،وشلاّلاته، وسهوله، وسهوبه، وصحاريه، وواحاته، وجباله ،ووهاده، وأخاديده، وتضاريسه، والبعض الآخر قدِم لمزاولة هواية القنص ،والطّرد ،والصّيد فى غاباته،ومفاوزه، ومهامهه، وآجامه، وفى مراتعه، ومرابعه، وثغوره، ومنتجعاته على سَاحليْه الشاسعيْن المتوسّطي، والأطلسي الذيْن يمتدّان مُجتمعيْن على مسافة تقارب الأربعة آلاف كيلومتر. والبعض الآخر حضر إلى هذا البلد فاراًّ بجلده من لظىَ السّعير الملتهب ،وأوار الغضب الهادر المتأجّج ،والفتن التي هي أشدّ من القتل ،التي عمّت بعض البلدان التي أصبحت أعشاشاً وأوكاراً، وساحات وحلبات،ومسارحَ لمختلف ضروب الجنون ،هناك حيث تطلع شمس الله وتسطعْ، وتجول وتصول فى عنان السماء ، وفى أعلى قمم الجبال وآلآكام النائية، ثم يحطّ قرصها الذهبي أخيراً ويغيب فى مَهَل وسلام وراء الآفاق اللاّزوردية الشفقية القانية المُحمرّة على صفحة المحيط الأطلسي الهادر…كلّ هؤلاء وأولئك وسواهم وجدوا ضالتَهم فى ربوع هذه الأرض الفيحاء، حيث الأمن والأمان، فراراً وهروباً وملاذاً من الرّياح العاتية التي هبّت كأتيٍّ منهمرٍ على العديد من البلدان المجاورة لنا،والجارة ، والنائية عنّا، وممّا سبّبته تلك التوابع والزوابع، والهزّات والرَجّات من الفِتَن، والمِحَن ، والأهوال، والمشاكل والقلاقل التي أحدثت بثوراً وتجاعيد، وهوّات عميقة، وإنشقاقات سحيقة فى تضاريس الخرائط السياسية، والإجتماعية فى هذه البلدان، والتي ما فتئت تبحث فى سديم الليل البهيم ،وهزيعه المعتم حائرةً، ملتاعةً، قلقةً، هلعةً، مروّعة عن بَوْصلة الإنقاذ، وطوق النجاة والخلاص لإرشادها إلى السّبيل السويّ ، كما أنّها ما إنفكّت تعاني إلى اليوم مخاطر الدّوارَ والبوارَ، وإنعدام الأمن و غياب الإستقرار.

نقاط المراقبة

من المواضيع التي أشرنا إليها فى مقالات سابقة والتي ما إنفكّت تستأثر بإهتمام المواطنين فى الآونة الأخيرة هي نقاط المراقبة الأمنيّة المتكاثرة التي يقيمها رجال الأمن عند مداخل معظم المدن ومخارجها للتحرّي ، والتمعّن ، والتفتيش ، وهو أمر حتمي ولا ريب ربّما تكون قد فرضته الظروف الدولية الراهنة، والتهديدات المتوالية التي تلوّح بها الجماعات الإرهابية المتطرفة ،والمتزمّتة من كلّ جانب ،هذه الإجراءات الأمنية مع نجاعتها التي إعتاد عليها المواطنون وألفوها تقدّم من جهة أخرى للزوّار، والسيّاح، والوافدين والأجانب صورةً غير حقيقية ، وإنطباعاً غير دقيق عن واقع السّكينة والأمن والاستقرار الذي تنعم به البلاد ولله الحمد .

الخِبرة أمّ العِبرة

أن يقوم رجال الأمن بحفظ الأمن، وضمان سلامة المواطنين والبلاد لهو أمر محمود ومطلوب لا ريب يعتريه ولا مناص منه، فهذا يدخل فى صميم عملهم اليومي والليلي الشّاق، ولكن أن يتخلّل هذا العمل بعض التجاوزات من طرف البعض على ندرتهم، فهو أمر قد لا يستسيغه ويتقبّله الناس ، ولا العقل، ولا القانون .

مع ذلك انني أعتقد جازماً أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الأطر الأكفاء من رجال الأمن ونسائه الذين يزاولون هذه المهمّة هم مؤهّلون للإضطلاع بها على خير ما يُرام، والتي تتطلّب منهم سعة البال و طول الباع، وقسطاً وافراً من الصّبر ،والأناة، ولا ريب أنّهم يتوفّرون على هذه المزايا ،والسّجايا، وعلى تجارب ميدانية وعمليّة فى هذا القبيل، وعلى نضجٍ وافٍ خبرةً ،وعِبرة، وحنكةً، وخلقاً وإحتراماً لمهنتهم فى جوٍّ ينبغي أن يسوده الإخاء والمواطنة، والتسامح والإحترام نحو المواطنين. أمّا بعض العاملين فى هذا الميدان الذين تُسند إليهم أو تُناط بهم مسؤولية مزاولة هذه المهامّ العسيرة المحفوفة بغير قليل من المخاطر والصّعاب ، فلابدّ لهم قبل كلّ شئ من التمتّع بخبرة وتجربة واسعتيْن فى هذا المضمار من مراسٍ، ومرانٍ فى فنّ القول ،وحُسن المعاملة، ودماثة السّؤال، والتحلّي بالصبر، وخِصْلة ضبط النفس، وفوق ذلك كلّه التحلّي بالخُلق الكريم.

إنّني على يقين تامّ أنّ المسؤولين من رجال الأمن يضعون ثقتهم فى أفراد الشرطة عند أداء مهامّهم بنزاهة ومسؤولية، ومعاملة المواطنين بلطف، وأدب، وإحترام ،ولابدّ أنّهم مؤمنون ومقتنعون بدون أدنى شكّ أنّ رجل الشرطة – الذي هو مجنّد بكلّ إخلاص لخدمة الوطن والمواطنين – ينبغي له وعليه أن يتحلّى بالصّفات الحميدة ليشيع الإحترامَ والثقة َبينهم، وليحظى بالتالي هو الآخر بإحترامهم، وتعاطفهم ، وليس العكس نظراً للمهمّة الشاقّة والعسيرة المنوطة به .هذا القطاع الحيوي الهام عرف مؤخراً تغييرات جذرية  وإيجابية مهمّة، وتطورّات محمودة ومشهودة لصالح العاملين فيه، نظراً لما يبذله المسؤولون عنه من جهود مضنية  لتحسين وضعية رجال الأمن على إختلاف مشاربهم الذين يشكّلون جهازاً وطنياً ذا أهمية قصوى، خاصّة في هذه الظروف القاسية تحت وطأة الجائحة الوبائية اللعينة، خلال عملهم اليومي الرّوتيني الشاقّ للحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، فالشرطيّ يظلّ شرطياً بزيّه الرّسميّ، وبمهمّته، ومسئوليته، وواجبه، ولكنه فى آخر المطاف يظلّ  قبل أيّ شيء إنساناً بالمعنى العميق للكلمة .

***

(*) كاتب من المغرب، عضو الاكاديمية الاسبانية الامريكية للآداب والعلوم-بوغوطا- كولومبيا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *