بادري بيو… “مفتاح” الأبواب الموصدة

Views: 193

أنطوان يزبك

 

مجتمع اليوم لا يصلّي هذا سبب انهياره. (القديس بيو)

المرة الأولى التي تناهى إليّ اسم بادري بيو كانت خلال مرحلة دراستي في مدرسة سيدة الملائكة-بدارو للآباء الكبوشيين، في سبعينيات القرن الماضي،  هذه المدرسة الفريدة التي أدخلتنا في عالم من القداسة المشرقة حيث تسود روحانية فرانسيس الأسيزي، تجتاح القلوب وتجعل الحياة زاخرة بإيمان من نوع آخر وتدخلك إلى مروج عطرة وسط أجواق من ملائكة وقديسين مثل القديس أنطونيوس البدواني والقديسة كلارا وصولا إلى مكسيميليان كولبي والقديس بادري بيو!

في حصّة التنشئة المسيحيّة، عرضت الراهبة الفرنسيسكانية من الجنسيّة الفرنسية أمامنا، نحن الصغار المتعطشين إلى الإيمان، قصة حياة بادري بيو، بواسطة المتواليات الجدارية المضيئة –ديابوزيتيف- فانطبع في ذهني ارتسام جراح المسيح في أنحاء جسد بادري بيو، الذي أضحى رمزًا في الكنيسة، انطلاقًا من موطنه إيطاليا إلى العالم بأسره!

في ذلك النهار المضيء في عتمة الحرب اللبنانية، على خطوط التماس في شارع بدارو ، انتابني ذهول، ورحت أطرح السؤال تلو الآخر:

كيف يمكن العيش مع الألم والمعاناة ليلا نهارًا؟ كيف يمكن قضاءالعمر مع العذاب والصبر على الأوجاع؟

نال بادري بيو “سمات المسيح” سنة 1918، تاريخ وضع الحرب العالمية الأولى أوزارها، وكأنه  اجتذب إليه جراحات ضحايا الحرب، ليتعذّب مع المسيح ومع البشرية وعنها، من أجل غسل الخطايا ونيل المغفرة.

 

حمل بادري بيو صلبان الخطأة مكفّرًا عن خطاياهم العظيمة، في طليعة مسيرة الخلاص من خلال الألم الذي أراد به الفوز بالملكوت السماوي الأعظم!..

في حياة هذا القدّيس مزج عجيب بين حياة النسك والحياة الاجتماعية، شرّع أبوابه، فزاره الآلالف طلبًا لصلاة وشفاعة وإرشاد ونصح، حمل الناس إليه مشاكلهم وآلامهم ومعاصيهم، قضى ساعات طويلة في كرسي الاعتراف، مستمعًا إلى هؤلاء القادمين من أنحاء إيطاليا وأوروبا والعالم، دون كلل أو ملل أو تذمّر. وكم ساهم في هدي وتوبة كثيرين؛ وفي غرفته حين يركن إلى عزلته، كانت تدور أشرس المعارك مع الشيطان، الذي حاول أن يهلكه، فلم يجد الخوف إلى قلبه سبيلا، بل ازداد إيمانًا وثقة بالله!..

يقول القديس بيو: ” للشيطان باب واحد يدخل فيه إلى روحنا: الإرادة، فلا وجود لأبواب سرية، لا تحسب علينا خطيئة إن لم نرتكبها بإرادتنا. فعندما لا تتدخّل الإرادة، ليس هناك من خطيئة بل مجرّد ضعف بشري”.

عرف القديس بيو أين يكمن الداء، على مثال القديس أغسطينوس قدّر أن الإنسان الذي أعطاه الله كل شيء، وخاصة الإرادة والحرية هو من يختار الخطيئة، ويفتح أبوابه للشيطان ويقول له تفضّل، وهو الذي يستطيع درء خطر الوقوع في الهلاك، إن أحسن تدبير حياته وجعلها أكثر قربًا من الله، بنقاوة الروح وبعيدًا عن الإثم والخطايا..

ومن أقوال القديس بيو أيضًا دعوة إلى إنشاء علاقة متينة مع يسوع حين يقول: “يجب أن تتكلّم مع يسوع أيضًا بالقلب، علاوة على الشفاه، في الواقع في بعض الحالات يجب أن تتحدث معه فقط بالقلب”.

أجل، على الإنسان أن يمنح قلبه ليسوع مترفعًا عن ماديات الأرض وصخبها وتفاهاتها؛ الأرض التي يجب أن تمجّد الله تحوّلت إلى مكان صاخب، بالماديات والرذائل والمغريات والنتيجة ضياع البشرية وهلاكها المحتوم!

بادري بيو الصلب والراسخ في إيمانه ومحبته للخالق العظيم أدرك أن الحلّ الوحيد للنجاة ليس من خلال إرادة مادية أو قدرات بشرية بل من خلال الربّ فكانت صلاته التالية:

“إبقى معي يا رب لأني أبحث عنك وحدك، عن حبك، نعمتك، إرادتك، قلبك، روحك، لأني أحبّك ولا أطلب مكافأة أخرى غير أن أحبك أكثر بمحبة ثابتة وعمليّة، أريد أن أحبّك من كل قلبي على الأرض حتى أواصل حبّك بكمال في الأبدية”.

عسى هذه الصلاة تفتح الأبواب الموصدة في وجه الإيمان الذي به وحده تنال الخلاص، في ذكرى تقديس بادري بيو.

(www.napavalley.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *