مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” مشروع الأديب د. جميل الدويهي أفكار اغترابية للأدب الراقي/ الورقة 11: الشاعر حسن ابراهيم سمعون – سوريا: “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان”

Views: 617

انطلق  مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه  مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.

في ما يلي  الورقة الحادية عشرة: الشاعر حسن ابراهيم سمعون – سوريا: “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان”.

 

 

تحيّة أدبية إبداعية إنسانية وبعد..

اتفق الدارسون والباحثون على تعريف مدرسة الأدب المهجري بأنّها الناتج الأدبي للمهاجرين الذين هاجروا من بلاد الشام (سورية الطبيعية) إلى المغتربات، وخصوصا الأمريكتين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واستمرّ ذلك خلال النصف الأول من القرن العشرين، حيث استقروا هناك وشكلوا جمعيات وروابط ومجلات وندوات وغيرها ، تعنى بالشأن الأدبي، منها على سبيل المثال “الرابطة القلمية” و”العصبة الأندلسية”، وثمة أدباء كثيرون منهم كتبوا بشكل فردي، والمجال لا يتسع هنا لذكر الأسماء، فمعظمهم معروف ومشهور، ويمكن تلخيص أسباب هجرتهم بعدة عوامل من أهمها:

1_ فساد حكم المستعمر العثماني، والاستبداد السياسي، وكبت الحريات.

2_الصراع المذهبي، والتعصب الديني.

3_الضغط الاقتصادي والبحث عن سعة الرزق.

 4_ميل فطري قديم عند أهل الساحل الشآمي، لبنان وسورية وفلسطين إلى المخاطرة والرحلات، فهم من أسياد البحار.

5_سهولة السفر بسبب تطور وسائل النقل (حينها ومعظمه نقل بحري حيث كانوا يسمّون البواخر بالببور)

وبعودة إلى المحور الأدبي الذي هو المنصة الأهم في مؤتمركم الموقر، أقول أيضاً: اتفق الجميع، واختلف بعضهم على أبرز سمات وخصائص الأدب المهجري الفنية والأدبية، نستعرض أهمها وبإيجاز :

1_ النزعة الرومانسية (وربما بعضهم تأثر بالمدارس الغربية).

2_ النزعة التجديدية عند بعضهم وهذا ما أدى إلى تجاوزات لغوية وعروضية، وبالمقابل ثمة نزعة عند بعضهم للتمسك باللغة العربية والعروض والقواعد.

3_ النزعة الإنسانية حيث تجلّت بحبهم للمثل العليا والأخلاق.

4_ النزعة الوجدانية حيث استغرق بعضهم بمحاولة الكشف عن مكنونات النفس البشرية عموماً ونفسه هو خصوصاً.

5_ النزعة التأملية أمام الحقائق الكبرى ( الجمال ، الحياة ، الموت، الخير، الطبيعة … )

6_ النزعة الروحية ولجوؤهم إلى الذات الإلهية لتحقيق الخير والعدل والمساواة ونشر المحبة والسلام.

7_ نزعة تمجيد الطبيعة بشيء من مفاهيمية وحدة الوجود .

8_ نزعة الحنين العارم إلى الوطن والاهتمام بقضاياه ومتابعة شؤونه وما يحصل فيه.

9_ نزعة التسامح الديني وقبول الآخر عموماً من مبدإ إنساني.

كما اتصف الأدب المهجري بصفات ميزته عن غيره من الآداب منها على سبيل المثال :

اهتمامهم بالنثر، ربما لعدم معرفة بقواعد النظم أو للانعتاق منها… ومحاولة بعضهم تجديد البناء السردي للنص، فأوقعهم بالخروج على قواعد اللغة والنحو والعروض وغيره، مما أدى إلى ركاكة وسجع وسماجة أحياناً.

وثمة ظاهرة الميل إلى الرمز وبعض الحسيات للانتقال إلى عقليات منطقية وظاهرة التمسك بالوحدة العضوية للنص وللديوان، واهتموا جدا بالصورة الشعرية والهارموني الناظم لها من صوت ولون وحركة ،واهتموا بوضوح الإسلوب وباللغة الحية وبالتراكيب السهلة المأنوسة مبتعدين عن التقعر والإيهام… واستخدم بعضهم أسلوب السرد القصصي الحكائي لتحليل وتظهير مكامن ولواعج النفس، وتجسيد الحالة الشعورية العاطفية، بابتعاد عن الذهان والتهويم .. وأقتبس رأياً عن الويكبيديا ورد فيه التالي (الشاعر المهجري يرى اللغة وسيلة لأداء المعاني والأفكار ، والتعبير عما يجول في خاطره من الهواجس، واللغة ليست الغاية في نفسها، لذلك آثروا اللغة الحية والأساليب السلسة والكلمات ذات المعاني الضخمة والتراكيب السهلة.

وأنا شخصياً لي تجربة خاصة استعرضها بإيجاز … فلقد زرت أكثر من بلد ومن هذه البلاد أستراليا، حيث زرتها لأكثر من مرة، والسبب أن معظم أفراد عائلتي يقيمون فيها. وكنت أكتب في الطريق وأثناء الإقامة ما يجول بخاطري من لواعج وأحاسيس. وبعد عودتي إلى الوطن كنت أمر مستعرضا تلك النصوص، فأشعر وكأنها متفلتة مني بجموح، وكأنني إنسان آخر في زمكان مختلف.

لقد سقت هذه المقدمة المختصرة المتواضعة… طبعا ولا جديد فيها، فكلكم يعرف ما ورد فيها من معلومات ودرسها واطلع عليها… لسببين:

السبب الأول: هو أنني من المتفائلين بولادة مدرسة أدبية مهجرية جديدة ناضجة ومتقدمة شكلا ومضمونا، متطورة، تشمل رؤى حياتية جمالية جديدة…  فعندما نجد أمثال الدكتور جميل الدويهي وأصدقائه وأفكاره الاغترابية في الميدان، نصبح بحالة يقينية بأنهم تخطوا العتبات والعقبات إلى درجة نستطيع فيها القول بأنها ولدت فعلا ً.

فثمة كثيرون من الأدباء المهاجرين في مختلف دول العالم يعتبرون من الصف الأول بإبداعهم ونتاجهم الأدبي، وخاصة الشعر، فالنظم هو بدع إنساني فوقاني يحاور الواقع الكائن ويحمله ويحاول السمو به إلى ما يجب أن يكون … نعم هم موجودون ونتواصل معهم ونعرف كثيرين منهم…

أما السبب الثاني، فلأطرح على مؤتمركم الموقر هذه التساؤلات فاقبلوها بمحبة وهي:

1_ هل استوفت مدرسة الأدب المهجري حقّها كاملاً من حيث الدراسة الأكاديمية والبحث العلمي الأدبي؟

2_ هل نشهد فعلاً ولادة مرحلة ثانية من الأدب المهجري؟

3_هل يعوّل على دور التكنولوجيا في ضغط الزمن وسرعة الانتشار؟ وهل سيصل نتاج هذه المرحلة الجديدة إلى المتلقي الشعبوي، وسيكون أثره كأثر (المدرسة الأولى) والرعيل الأول من المهاجرين؟ أم سيبقى هذا النتاج ضمن أراشيف النخب؟

4_هل ستظهر في نتاج المدرسة الثانية ملامح سياسية وإيديولوجية ودينية وإرهاصات فكرية بسبب ما حصل في المئة عام الأخيرة من حربين عالميتين وحرب باردة وانقلابات فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، أدت إلى انقاسامات عمودية وأفقية، وعسكرة العالم عموما والشرق الأوسط خصوصاً، وهو الذي يشكل الرحم لظاهرة الأدب المهجري، لم تظهر في أدبيات ونتاج المدرسة الأولى؟

5_ وهو سؤال افتراضي… لا شك أن صدق العاطفة المتأجج للذات الشاعرة هو من أهم الخصائص التي تميز بها الأدباء المهجريون بسبب اغترابهم وغربتهم، وكتبوا بحرقة وشوق، وكانت الهجرة هي المحفّز لهم, والسؤال هو: ماذا لو لم يهاجروا وبقوا وكتبوا في بلادهم… هل ستكون العاطفة بذات المستوى؟ وهل سيكون الكمُّ الأدبائي والأدبي والنوع هو ذاته؟

وأخيرا أكرر شكري للصديق الإنسان الدكتور جميل الدويهي، حامل الراية ولكم جميعا متمنيا لمؤتمركم النجاح والتوفيق وتفضلوا بقبول فائق تقديري واحترامي.

***

*غداً 21 -1- 2022 ورقة الدكتور جان توما – لبنان

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *