في التّجريب الصّحفي (17)

Views: 265

محمّد خريّف*

 

ورُبّ ضارّة نافعة ،هكذا يلاحقني الطيش الصحفيّ، بل ألاحقه، ومن كانت وراءه  الرّياح لا يرتاح ولا دخل للريح والمطر في مصير البشر ، لكن وبالرغم من نعيم المكتب الخاص بي في مقرّ الولاية القديم،والخلاص على حساب الحظائر وأجري الشهريّ  يكاد يكون مضمونا و هل كان الحق في منحة التداوي والتقاعد مهضوما ؟، أمور قد لا يحق للموظّف الوقتي مثلي أن يفكّر فيها وحقّنا – في علّوش العيد، نفرح بنطحه الشديد، وتضحية العقيدة قبل تغطية عُري الأفكار العنيدة ، فهذا للموظف مثلي  سعيد الحظ في الآخرة قبل الآجلة  سواء أن سدّد دين الأضحية أقساطا ام لم يسدّد  وتلك نعمة فرحة الرئيس من فرحة شعبة يوم عيد الفداء،  فكيف أفرّط فيها أنا المراسل المجظوظ بلعبة وضحكة ،والسبب دودة الطيش لاتزال تنغل في لسانه،ها هو يكتب بوهم الاستقلاليّة وحريّة التعبير ضدّ ما لا ينتظره وليّ نعمته منه ؟

وبالفعل ، كان للصبر حدود ، فالمسؤول الجهويّ لم يعد  يتحمّل فمعه ألف وحقّ وحقّ، هو كان لطيفا معي إلى أبعد حدود اللطافة والكياسة، حين أعلمني في الصّباح الموالي عن طريق نائبه ، بأن المراسل ويقصد حضرتي واقفا أمامه في مكتبه بأني مع الأسف في نظره لم أفهم الخط، وأن مهمتي الصحفية بالولاية قد انتهت وأن علييّ أن أبحث لنفسي في الضوء عن عمل آخر غير عمل مراسل صحفيّ،وكان الطرد حاصلا بهذه الدّيبلوماسية أي بضخامة ولعلها أشدّ إيلاما من الطرد الآخر، فهكذا تربح السياسية وأهلها فلا تتحمّل توابع قرار الطرد وزوابعه,.

نعم تمت العملية تحت “حسّ مسّ” والحمدلله،و قد سُمح لي أنا المطرود باختياري من العمل بالولاية أن أبحث لنفسي عن عمل بديل فد يكون هنا أو هناك والفضل في كل الحالات للمسؤول ونائب المسؤول و”على عين تتذاري مائة عين”، فكان العمل شبه عمل أي عمل “نصف قيّم” باجر قدره زهيدًا أيضا يقتطع منه معلوم الأكل ولا يهم الشكل،  ولم يكن الباحث عن سد رمق المعرفة مثلي بمحتاج إلى تمثل سجع الهمذاني في مضيرته، وإنما الأهم قبل المهم،و عملا بتوجيهات الرئيس ،  إذا لا بدّ من سياسة المراحل  ،  فليكن الآهم القبول بنصف الحلّ ،والاهم في هذه الحال الإقبال على الدراسة بصفة مستمع حرّ في المعهد الفني بنابل وجاره معهد الفتيات، ومصائب قوم عند قوم فوائد،ولا بكاء على أطلال الصحافة وأحاديث الخرافة .

 

زمن بدا لي  أن الجريدة أصبحت تبحث عن أخبار الإثارة ” فهذا فرخ دجاج ذو أربع   أرجل ” وهذا “طاح في البير وطلعوه ” وهذا دلفين يلفظ جثته البحر كما يلفظ البحر جثة سوري لاجثة سويسري، ولا هواجس حب لحبيب أوّل، وطيش الصحافة من طيش المتعلق بأخبار صدى المحاكم والطائش مثلي بطّال لا أحد  يحبّه إلاّ طيشه ولابيت له يجهّزه لعروس تنتظر فارس أحلام أبيها وأمها ولا يغار عليها أحد منهما، هي أقواس تكاد أن تغلق وهاهي أبواب قاعات الدّرس أولى بمن لايقنع بما دون النجوم ولو على سبيل المحاكاة لا التنبؤ.

نعم تفتح الأبواب أمامي بأمر الساهرين على حظوظ التعليم  في المعهدين بما فيهم الأساتذة و تلاميذ البكالوريا ، هكذا وجدت فيهم جميعا على وجه التعميم المساعدة والتقدير والتشجيع،وكدت أن أنسى أنا “امحمّد” ولد امحمّد طيش الصحافة وأوهام التعلّق بأوثان  الصحافيين وألقابهم، فاكتفى بما تنشره “الصّياد اللبنانية” و”لومند الفرنسيّة” وغيرهما من تحقيقات ثقافية واقتصادية، قد تنفعني يوم الامتحان و فيه قد يُكرم المرء.

(يتبع..) 

***

* كاتب من تونس

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *