الحلقة الثامنة عشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 93

*“للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. (bparlay.com) يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

                                                                      كابي

(١٨)

مرّت سنتان على دخول بحر صف الدراسة، وبقي حنا مجتهِدًا في عمله في المطبعة. بدأت الأحوال الاقتصادية في البلاد تتجه نحو  السلبية  الأمر الذي أدى الى موجة غلاء والى ارتفاع في أسعار السلع وبدل المواصلات وبالطبع الى ارتفاع في الأقساط المدرسية.

وجد حنا نفسه مرّة أخرى في أزمة اقتصادية وقد حصل مرارً أن تمّ استدعاؤه الى المدرسة من قبل الناظر تارةً ومن قبل الراهب المسؤول عن صفوف الحضانة. كان القسط المدرسي موضوع هذه الاستدعاءات. ومرّة قال الراهب لحنا اذا استمريت في التأخر عن سداد القسط خُذ ولدك وامشِ.

ذُهِل حنا من هذا السلوك القاسي الصادر عن راهب المدرسة، وجلس على صخرته عند الشاطئ يشكو همّه الى البحر كما اعتاد أن يفعل. فكّر حنا كثيرًا بآيات الانجيل التي يتحدث فيها يسوع عن الفقير. غير أنه لم يجد تفسيرًا لموقف راهب المدرسة، وقد اعتبر حنا أن تصرّف الأخير لا تكسوه الرحمة. ولكن عليَّ أن أجد الحل لتسديد القسط المتأخر للمدرسة، قال حنا في نفسه وقد لمعت في خاطره فكرة العمل في البحر في أيام العطل الرسمية.

توجّه حنا الى منزل أخيه من دون أن يستشير أمّ بحر، وعرض عليه الفكرة، التي رفضها أخوه من أساسها.

       ⁃     “شوباك يا حنا كل ساعة برأي”؟

       ⁃     قلتُ لنفسي قد أستطيع زيادة دخلي فأنت تعرف المدرسة الخاصة ومصاريفها وأقساطها.

       ⁃     “جيبو عَ مَدرسة الضيعة يا حنا”.

حاول حنا جاهدًا شرح الموضوع لأخيه، حتى رقَّ قلبه وقال له: سنتدبّر الأمر يا حنا تعال هذا الأحد واعمل معي على المركب.

في صباح اليوم التالي كان حنا يتصفّح الجريدة اليومية، إذ أن حسيبًا كان يجلبها معه كل صباح.

راح حنا يقرأ صفحة الاعلانات المبوبة التي يطيب له قراءتها من باب الفضول، فوقع نظره على إعلان نشرته الجريدة لمطبعة في العاصمة تطلب عمّالاً للعمل لديها. دوّن حنا عنوان المطبعة ورقم الهاتف على قصاصة ورق ووضعها في جيبه.

في طريق العودة الى القرية، جلس حنا في بوسطة حليم يفكّر في موضوع الإعلان. وقال في داخله أعمل من الاثنين الى السبت وأتحمّل مصاريف الانتقال في يوم السبت لأن حليمًا لا ينقل التلاميذ الى المدرسة في هذا اليوم، ولا أستطيع أن أعمل في فترة عمل الليل إلا نادرًا. لِمَ لا أذهب الى العاصمة؟

 (يتبع غدا)

 ***

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *