“الهويالوجيا”… فن القرارات الإنسانوية والشخصية

Views: 240

حسن عجمي

   الهويالوجيا مركَّبة من “الهوية” و”لوجيا” بمعنى عِلم وبذلك الهويالوجيا عِلم الهوية الذي يهدف إلى تحليل الهوية ودراستها بغرض إيضاح دلالاتها ومعانيها. تعتبر الهويالوجيا أنَّ الهوية فن صياغة القرارات الإنسانوية والشخصية ما يسمح بتحليل الهوية على أنها معادلة فلسفية مفادها التالي: الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية. تنجح هذه المعادلة في التعبير عن أنَّ كل البشر يمتلكون هوية واحدة ألا وهي الهوية الإنسانية كما تنجح في التعبير عن اختلاف هويات الأفراد رغم وحدة هويتهم الإنسانية ما يدلّ على صدق هذه المعادلة. 

   إن كانت الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية، وعلماً بأنَّ كل البشر يتخذون قرارات إنسانوية (في معظم حياتهم أو في كل حياتهم) كقرارات التصرّف على ضوء المبادىء والقِيَم الأخلاقية كأن لا تقتل ولا تسرق، إذن كل البشر يمتلكون الهوية ذاتها ألا وهي الهوية الإنسانية الكامنة في إنتاج واتباع القِيَم والمبادىء الأخلاقية. من هنا، تنجح الهويالوجيا التي تعتبر أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية في التعبير عن وحدة البشر من جراء وحدة هوياتهم الكامنة في امتلاك هوية واحدة لا تتجزأ ألا وهي الهوية الإنسانية. وهذا النجاح دليل التفوّق المعرفي للهويالوجيا وصدقها. فكل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ لأنَّ هويتهم هوية واحدة قائمة على اتخاذهم قرارات إنسانوية مشتركة بين الجميع. 

 

وحدة إنسانية وهوّيات مختلفة

   لكن رغم وحدة الإنسانية المتمثلة بوحدة كل البشر في امتلاكهم لهوية إنسانية واحدة، يختلف الأفراد عن بعضهم البعض باختلاف قراراتهم الشخصية فيمتلكون بذلك أيضاً هويات مختلفة. وبذلك تنجح الهويالوجيا في التمييز بين هويات الأفراد رغم وحدة هويتهم في هوّية واحدة ألا وهي الهوّية الإنسانية. من هنا، توحِّد الهويالوجيا بين المذهبيْن الفلسفيين المتنافسين حيال الهوية ألا وهما المذهب القائل بوحدة الهويات البشرية في هوية واحدة هي الهوية الإنسانية والمذهب القائل باختلاف هويات الأفراد لكونها تتضمن المذهبيْن معاً. فكل البشر يمتلكون الهوية الإنسانية ذاتها لامتلاكهم للقرارات الإنسانوية والبشر أيضاً مختلفون بامتلاكهم هويات مختلفة لكونهم يتخذون قرارات شخصية مختلفة.

   بكلامٍ آخر، بما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية، إذن البشر متحدون في هوية واحدة على ضوء وحدة القرارات الإنسانوية الكامنة في المبادىء والقِيَم الأخلاقية العالمية المشتركة بين الجميع والبشر أيضاً مختلفون في هوياتهم من جراء اتخاذهم قرارات شخصية مختلفة. هكذا توحِّد معادلة الهويالوجيا بين المذهبيْن الفلسفيين المتنافسين السابقين فتحلّ الخلاف الفلسفي بينهما وبهذا تكتسب هذه الفضيلة الأساسية ما يعزِّز نجاحها فصدق مضمونها. مثلٌ على اختلاف هويات الأفراد هو أنَّ فرداً معيّناً قد يتخذ قراراً شخصياً بدراسة الفيزياء بينما فرد آخر يتخذ قراراً شخصياً بدراسة البيولوجيا. وبذلك هذان الشخصان يختلفان باختلاف قراراتهما الشخصية. وهذا ما تنجح معادلة الهويالوجيا في التعبير عنه لأنها تحلِّل الهوية على أنها معادلة رياضية مفادها أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية. 

إنتاج المعارف والفنون والعدالة

   تنجح الهويالوجيا أيضاً في التعبير عن أنَّ هويتنا الإنسانية كامنة في إنتاج المعارف والفنون والعدالة. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية، والقرارات الإنسانوية هي القرارات الأخلاقية (فبلا أخلاق يفقد الإنسان إنسانيته) ومن الأخلاقي إنتاج المعارف والعلوم والفلسفات والفنون والعدالة (بسبب فوائدها الكبرى)، إذن هويتنا الإنسانوية كامنة في صياغة المعارف والعلوم والفلسفات والفنون والعدالة تماماً كما هي كامنة في اتباع المبادىء والقِيَم الأخلاقية وإنتاجها. هكذا تنجح الهويالوجيا في التعبير عن أنَّ الهوية الإنسانية قائمة على بناء المعارف العلمية والفلسفية وإنتاج العدالة والفنون فبفضل الإنتاج الأخلاقي والمعرفي والفني وسيادة العدالة تتحقق هويتنا الإنسانوية بما تحتوي من أخلاقيات ومعارف. 

 

هوّية الشخص هي قراراته

   كما تنجح معادلة الهويالوجيا في حلّ إشكالية فلسفية أساسية هي التالية: من الممكن للفرد أن تختلف خلاياه الجسدية كلياً وتختلف معتقداته ومشاعره وسلوكياته بشكل كلي عما كانت عليه. وبذلك ما الذي يجعله الشخص نفسه أي ما الذي يجعله يمتلك الهوية نفسها رغم اختلافه كلياً عما كان في الماضي؟ تجيب الهويالوجيا على النحو التالي: هذا الفرد يمتلك الهوية ذاتها التي امتلكها في الماضي فهذا الشخص هو نفسه رغم اختلافه الكلي عما كان عليه لأنَّ هويته هي قراراته التي اتخذها في الماضي كما هي قراراته التي يتخذها أو سوف يتخذها ولذلك هو مسؤول أخلاقياً وقانونياً عما اتخذ من قرارات شخصية في الماضي وإن اختلف اليوم واختلفت قراراته عما كانت عليه. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية، إذن تكمن الهوية في القرارات الشخصية كما في القرارات الإنسانوية. وعلماً بأنَّ الفرد السابق اتخذ قرارات شخصية في الماضي (و إن كان اليوم يختلف عما كان عليه) وبذلك هو مسؤول عن قراراته الشخصية في الماضي لأنه اختارها، إذن قراراته الشخصية في الماضي ما زالت جزءاً من هويته وبذلك هذا الفرد السابق يمتلك الهوية ذاتها وإن اختلفت خلايا جسده وقراراته ومعتقداته ومشاعره وسلوكياته اليوم عما كانت عليه في الماضي. 

   بكلامٍ آخر، الفرد السابق ما زال هو نفسه وإن اختلف اليوم لأنَّ هويته كامنة في قراراته في الماضي والحاضر والمستقبل وهو بذلك مسؤول عن قراراته في الماضي لأنه اتخذ تلك القرارات تماماً كما هو مسؤول عن قراراته في الحاضر والمستقبل. فبما أنَّ القرارات تحدِّد الهوية فالمسؤولية عن تلك القرارات وما أنتجت من أفعال، إذن الفرد يبقى هو نفسه لاتخاذه قراراته الماضوية والعمل على ضوئها في الماضي وإن تغيّر بشكل جزئي أو كلي. هكذا تنجح معادلة الهويالوجيا في حلّ إشكالية كيف أنَّ الفرد يبقى هو ذاته رغم تغيّره أو إمكانية تغيّره كلياً عما كان عليه. وبذلك تكتسب الهويالوجيا هذه الفضيلة الجوهرية الكامنة في حلّ هذا الإشكال الفكري. 

التعبير عن الحرية

   تنجح الهويالوجيا أيضاً في التعبير عن الحرية وتضمنها. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية، ونحن مَن نتخذ هذه القرارات الإنسانوية والشخصية، إذن هوياتنا من صنعنا نحن. وبذلك نتحرّر من سجون هويات مُحدَّدة مُسبَقاً ما يضمن أننا أحرار بالفعل. هكذا تتمكّن معادلة الهويالوجيا من التعبير عن أننا أحرار وأنَّ هوياتنا من نتاجنا. كما تنجح الهويالوجيا في التعبير عن إمكانية أن تتطوّر هوياتنا من جراء تطوير قراراتنا. فبما أنَّ الهوية = قرارات إنسانوية + قرارات شخصية، وعلماً بأنه من الممكن دوماً تطوير قراراتنا الإنسانوية والشخصية، إذن من الممكن دائماً أن تتطوّر هوياتنا. من هنا، تنجح الهويالوجيا في التعبير عن إمكانية أن نتطوّر بتطوّر هوياتنا بفضل تطوير قراراتنا تماماً كما تنجح في التعبير عن حريتنا. وفي كل هذه النجاحات دلالات على صدق الهويالوجيا وتفوّقها المعرفي. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *